حين أخذ يناديني أستاذي عبدالله بن عبدالرحمن الشهري بقوله: (يا ولدي) كانت هذه القصيدة: |
مثلما يحمل الغريبُ شجونهْ |
مُطرِقاً من مدينةٍ لمدينةْ |
امتطت بي خيولَ ذاكرتي (يا |
ولدي) والزمان مغضٍ جفونه |
وتبدي لي الزمان شحوباً |
ما استطاعت طفولتي تلوينه |
وتراءى هناك وجه أبي رمزَ |
كفاحٍ، وذكرياتٍ دفينة |
وتوغلتُ في ملامحه أقرأ |
ما أودع الزمانُ غضونه |
في زوايا بيتٍ من الطين، ما زالت |
حكايا سعيدةٌ وحزينة |
صوته ذلك الأجشُّ إذا فاح |
بعطر الذكرى أشم حنينه |
واسأل القرية التي هو رباها |
على الحُسْن: يا ترى تذكرينه؟ |
والعصافيرَ حين يوقظها مواله |
العذب: يا ترى تعرفينه؟ |
يا لهذا التناغمِ الفذِّ ما بين |
أهازيجه وصوت (المكينة) |
مغدقاً بالنشاط يملأ دلو |
الزهو، يسقى حقوله تلحينه |
مترفٌ، في تشققات يديه |
من جفاف تألقت ياسمينة |
فالشذا، هل يكون إلا شعوراً |
كلما مارس النسيم فنونه؟ |
مبحر في شواطئ الرمل، والصحراءُ |
أنثى بشخصه مفتونة |
يا تجاعيدَ الرمل، يا بوحَ أسرار |
خُطاه، هناك تحكينه؟ |
واسأل الليل حين يحتطب الأضواءَ |
كي يوقد الظلامُ سكونه |
قائماً في محرابه يرسم الصوتَ |
تسابيحَ في إطار السكينة |
ينحت الضوءَ في صخور الليالي |
والمساءات راعفاتٌ رعونة |
يا لقلبٍ بنبضه يترِف الدنيا |
جَمالاً معْ أنه محض طينة! |
من شموخ النخيل، من حرفة الضوء |
وفِكرِ الندى اجتبى تكوينه |
(ولدي)!! أي مقطع من صبا قد |
رجّعته لك الحروف الثمينة؟ |
أي ريح تثير فتنتها الموج |
فيُغوي مراهَقاتِ السفينة |
كنتُ طفلا، كقرية ما غفَتْ إلا |
على حلمِ أن تكون مدينة |
أنسج الضوء من صدى صوته، حتى |
تدثّرت بالحروف الرصينة |
وحنان ما زلتُ أغرف منه |
كلما قبّلت شفاهي جبينه |
إنه عذق ذكرياتي، فماذا |
سوف تجنيه لو خرفتَ سنينه؟ |
هل رأت مقلتاك لون جفافٍ |
حينما أوحش الجفاف عيونه؟ |
جُنَّ بالحقل، إذ تماهى مع البستان، |
هل يا ترى عرفتَ جنونه؟ |
هل يناديك حقله مستجيراً |
حينما تهتك الرياح غصونه؟ |
هل بعثتَ الدلاء تطلب ود البئر |
يوماً، وهل تجيد لحونه؟ |
ومساحيه، هل حملتَ مساحيه |
بيمنى مفتولة ميمونة؟ |
ومتى قد حجبت لفحة حر القيظ |
عني طفلاً بكفٍّ حنونة؟ |
لو تكون الأبوة الحبَّ والأخلاقَ |
أصبحتَ ممكناً أن تكونه |
|