البطالة ظاهرة اجتماعية أزلية ربما لا يخلو منها مجتمع من المجتمعات المعاصرة بما في ذلك الدول المتقدمة والغنية، لكن حجم المشكلة يتفاوت من بلد إلى آخر، والمقياس في ذلك نسبة العاطلين عن العمل إلى مجموع السكان القادرين على العمل.. ومن المؤسف أن البطالة في العالم العربي وصلت إلى أعلى مستوياتها، لتصبح من أخطر التحديات التي تواجهها شعوب المنطقة المثقلة بأعباء وهموم أخرى لا تكاد تنوء بحملها.
وتفيد أحدث التقارير الرسمية العربية أن معدل البطالة في العالم العربي هو الأعلى على مستوى دول العالم حيث وصل إلى نسبة 14%.
لكن الذي يتحتم علينا كسعوديين عندما نناقش هذه المسألة هو أن نكون أكثر واقعية وأكثر فهماً لأنفسنا، لأن ما ينطبق على العاطلين عن العمل في اليابان أو في فرنسا أو حتى في تركيا أو لبنان أو تونس لا ينطبق على العاطلين في المجتمع السعودي.
إن التفاوت بيننا وبين غيرنا من المجتمعات واضح في مخرجات التعليم، وفي نظرة المجتمع إلى العمل، وفي أشياء أخرى ينبغي علينا أن لا نغض الطرف عنها، إن من خصوصيات مجتمعنا السلبية أن أكثر من ثلاثة أرباع المهن الفنية والخدمية ابتداء من الأعمال الإلكترونية والهندسية ومروراً بأعمال الطباعة والنجارة والسباكة وانتهاءً بأعمال الزراعة والطهي والحلاقة والنظافة تعودنا على تركها لغير السعوديين، في حين تركنا لهم نصف الأعمال الأخرى مثل وظائف المبيعات والاستقبال والطباعة وما في حكمها، وهذا أحد أوجه الاختلاف بيننا وبين المجتمعات الأخرى التي يمارس مواطنوها جميع الأعمال بلا استثناء.
إن من الخصوصيات السلبية لمجتمعنا أيضاً أن السواد الأعظم من شبابنا يعاني من مشكلة الاتكالية وثقافة أن الدولة وحدها مسؤولة عن إيجاد العمل، وتفضيل الوظائف الحكومية على وظائف القطاع الخاص حتى مع فارق المرتبات: لأن العمل الحكومي في نظره أقل انضباطاً وإنتاجية! وعدم تحمل الفرد نفسه مسؤولية التأهيل الذاتي، وعدم إدراكه حقيقة أن الحياة تقوم على التنافس الذي يتطلب أن تخلق الفرصة لا أن تنتظر من يخلقها لك.
وبمعنى آخر فإن ما يقارب 80% من العاطلين لدينا غير مؤهلين تأهيلاً حقيقياً، في حين أن العاطل في البلدان الأخرى لا يعاني من هذه العلة.
لهذا السبب فأنا قد اتفق مع د.غازي القصيبي عندما عارض فكرة صرف مرتب للعاطلين عن العمل في بلادنا، والسبب أن صرف هذه الإعانة سيزيد نسبة البطالة، إلا إن كانت الإعانة ستصرف بضوابط تحفيزية تضمن تشجيع هؤلاء العاطلين على التدريب وتطوير قدراتهم، وأن تصرف بشكل غير مباشر، كأن تتكفل وزارة العمل بدفع تكاليف الدورات التدريبية وتطوير المهارات، وربط ذلك بمدى تقدم المتدرب واستيعابه للمعلومات والمهارات التدريبية لضمان تحقق الأهداف المرجوة، وإلا فإن الإعانة ستصبح مرتباً للنائمين وليس للعاطلين!