إن قضية السعودة هي إحدى القضايا الاستراتيجية الحيوية التي تتعلق بالأمن الاقتصادي والاجتماعي للمملكة. السعودة كما يعرفها البعض أنها عملية إحلال مواطن سعودي محل مقيم غير سعودي في وظيفة معينة على أن تتوفر في السعودي القدرات والمؤهلات والكفاءة التي يحتاجها العمل نفسه. بينما يري البعض الآخر (عملية السعودة هي عملية إحلال العمالة الوطنية مكان العمالة الأجنبية وفق خطة زمنية محددة).
لقد بدأت المملكة منذ عام 1975م محاولات جادة لتطبيق السعودة وذلك من خلال الخطط الخمسية وخصوصاً بعد أن تزايدت ضغوط البطالة، وأعداد السعوديين الداخلين لسوق العمل ولقد واجهت تلك الخطط العديد من المشاكل التي تحد من نجاحها ورغم ذلك فإن التغيرات السكانية والاقتصادية التي طرأت على المجتمع السعودي منذ ذلك الوقت أدت إلى خلق ظروف مواتية لنجاح خطط السعودة وخصوصاً في القطاع الخاص والحكومي وبدأت الأحداث ترتفع مطالبة القطاع الخاص بالاستعانة بالعمالة السعودية بسبب البطالة بين السعوديين وخصوصاً من خريجي الجامعات.
ومن واقع المفاهيم والتعريفات المتقدم ذكرها، فإنه يمكن استنتاج وصياغة المبادئ الخمسة التالية، التي تشكل بمجملها أهم الأهداف التي يتوخى من العمالة المواطنة تحقيقها في القطاع الخاص السعودي:
1- المساهمة في التنمية الشاملة في البلاد عن طريق إنتاج وتبادل السلع والخدمات وتطويرها.
2- المساهمة في توفير الحياة الكريمة في القطاع الخاص من خلال العمل الحر والكسب الحلال.
3- تحقيق التوازن بين الإنتاجية العالية والمحافظة على معتقدات وقيم المجتمع السعودي ومراعاة مصلحته العامة.
4- تنمية واستغلال موارد المجتمع بكفاءة وفاعلية.
5- المساهمة مع جهود الدولة في صياغة ودعم الأمن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في البلاد، عن طريق الإحلال المتدرج والمتزن للعمالة المواطنة محل العمالة الوافدة.
كما يرى الباحث أنه يمكن إضافة بعض الأهداف الأخرى مثل:
1- توفير الجو الصحي للإنتاج وإعمار البلاد؛ وذلك بتعزيز مشاركة المواطن السعودي ومنحه الفرصة في بناء وطنه ومجتمعه، ووضع الأسس والآليات التي تساعد على المساهمة الفاعلة في تحقيق التقدم والازدهار.
2- مشاركة المرأة السعودية في التنمية الاقتصادية وزيادة إسهاماتها في سوق العمل بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، فهي تعد من أهم مصادر القوى العاملة في المجتمع.
ثانياً: السعودة من منظور إدارة الموارد البشرية الاستراتيجية
نحاول في هذا الجزء الاقتراب من مفهوم السعودة من منطلق النظرة الاستراتيجية، التي تتبناها وتدعو إليها إدارة الموارد البشرية الاستراتيجية وذلك على النحو التالي:
* ليست السعودة مطلباً طارئاً فرضته الأوضاع الاقتصادية، بل يجب النظر إليها باعتبارها متطلباً طبيعياً في إطار خطة وطنية لتنمية واستثمار الموارد البشرية الوطنية تواكب وتتكامل مع الخطط الوطنية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة.
* ليست السعودة مجرد عملية إحلال بل ينبغي أن تكون هي الإمداد المخطط لقطاعات الأعمال في المملكة باحتياجاتها من الأفراد بمستويات الخبرة والمهارة والكفاءة المطلوبة، أي أن السعودة هي استبدال الكفاءات والخبرات الوافدة بكفاءات وخبرات وطنية معادلة.
* ليست السعودة مجرد تسكين سلبي للشباب السعودي الباحث عن عمل في وظائف وأعمال غير مطلوبة أو غير منتجة، بل إنها تقتضي عملاً هائلاً في مجال تخطيط الاحتياجات من الموارد البشرية بحسب أوضاع الأعمال المختلفة وتطوراتها المستقبلية المتوقعة. ثم إعداد وتأهيل وتدريب وتنمية الأفراد من المواطنين الذين تتوفر فيهم المواصفات المناسبة، وتوظيفهم في الأعمال المناسبة.
* النظر إلى عملية استقدام العمالة كوسيلة لسد العجز في الكفاءات من المواطنين ومعالجة الاختلال الهيكلي في سوق العمل المحلي، إلى حين تتهيأ القدرات الوطنية لملء الفراغ والحلول محل العمالة الوافدة تدريجياً وفق خطة واضحة المعالم بأبعادها الزمنية قصيرة، ومتوسطة، وطويلة المدى.
* لا تنتهي عملية السعودة بمجرد تعيين فرد سعودي مكان شخص وافد، بل يجب النظر إلى السعودة باعتبارها قضية فرعية في إطار قضية أكبر وهي تكوين وتنمية الموارد البشرية السعودية حسب متطلبات قطاعات الأعمال، والسعي لتوفير الظروف لاستثمار قوة العمل الوطنية بأقصى كفاءة ممكنة. إن السعودة ليست هدفاً في ذاته، ولكن يجب النظر إليها على أنها وسيلة إلى هدف أكبر وهو تهيئة الموارد البشرية الوطنية في خدمة أهداف التنمية الشاملة.
* ليست السعودة عملية منفردة منعزلة، بل هي في الحقيقة جزء من عملية أكبر تستهدف إعادة هيكلة المنظمات، وتطوير نظم العمل وأساليبه، وأسس توزيع السلطات والمسؤوليات، ومعايير تخطيط وتقييم الأداء، ومجمل عناصر المنظمة الإدارية وفعاليتها الإنتاجية والخدمية؛ لتتوافق جميعا مع النمط الجديد لتكوين الموارد البشرية بإحلال السعوديين محل غيرهم من الوافدين. وهذا المنطق يتفق مع النظرة إلى إدارة الموارد البشرية باعتبارها نظام متكامل تتأثر عناصره بأي تغيير يصيب أحدها.
* لا يجب النظر إلى السعودة على أنها مجرد عملية تسكين مؤقتة، لمشكلة تزايد أعداد الخريجين الباحثين عن العمل، فالسعودة لا يجب أن تقتصر على تشغيل هؤلاء الشباب، بل إن معناها الصحيح يشمل إتاحة الفرص للسعوديين جميعا ومن كل الأعمار؛ لشغل الوظائف التي تتوفر فيهم مواصفات شغلها ومستويات الكفاءة المطلوبة لها وعلى كل المستويات التنظيمية.
* لا يجب النظر إلى السعودة بمعيار العاطفة الوطنية، بل يجب دراستها من منطلق الأرقام والحقائق التي تشير بوضوح إلى تزايد أعداد الداخلين إلى سوق العمل، في نفس الوقت الذي تتقلص فيه فرص العمل. ومن ثم فمشكلة السعودة ذات شقين، الأول خلق فرص عمل جديدة لاستيعاب الداخلين في سوق العمل. والثاني البحث عن موارد بشرية مؤهلة وذات خبرة لشغل الوظائف التي تخلو من شاغليها سواء من المواطنين أو من غيرهم.
* لا بد من الربط بين سياسات التعليم والتدريب، وبين عمليات التوظيف وخلق فرص العمل ومحاولة استيعاب الباحثين من ناحية أخرى. وبذلك تتم معالجة المشكلة الواضحة في المملكة ومعظم الدول العربية والنامية. إذ تتباعد خصائص خريجي منظومة التعليم الوطنية عن المواصفات المطلوبة في الموارد البشرية، التي تسعى إليها منظمات الأعمال وغيرها من الجهات الباحثة عن عاملين.
ويتضح للباحث مما سبق أن هناك ترابطاً بين قضية السعودة وإدارة الموارد البشرية الاستراتيجية، وأن هذا الترابط ناجم أساساً عن أهمية دور إدارة الموارد البشرية، في تحقيق أهداف المنظمة وأهداف ورغبات الموظفين والعاملين فيها. ولقد مرت مصر بتجربة مماثلة حين أقدمت الدولة في أعقاب العدوان الثلاثي في عام 1956م، على تمصير الشركات المملوكة لرعايا إنجلترا وفرنسا وبلجيكا وكذلك اليهود؛ نتيجة مشاركة إسرائيل في هذا العدوان.
واتجهت مصر تلك الفترة إلى شغل الوظائف التي خلت بعناصر من موظفي الحكومة وأفراد من القوات المسلحة؛ وبذلك فقد تسربت إلى تلك الشركات نظم الإدارة الحكومية البيروقراطية وأساليب الإدارة العسكرية وغيرها من السمات التي لا تتناسب تماماً مع متطلبات العمل في منظمات الأعمال. وبالتالي فإن ذلك يدل على ضرورة الأخذ بمبادئ ومفاهيم إدارة الموارد البشرية الاستراتيجية، لتحقيق أهداف سعودة الوظائف في القطاع الخاص.
* مبررات السعودة:
1- النمو السكاني المتزايد
تعد معدلات النمو السكانية للمملكة العربية السعودية مرتفعة وذلك مقارنة بمعدلات النمو السكانية العالمية.
2- زيادة عدد الخريجين
إن تزايد أعداد الداخلين إلى سوق العمل يشكل ضغوطاً اقتصادية واجتماعية كبيرة على القطاع الأهلي، وتتجه هذه الضغوط نحو ضرورة تبني سياسات مواتية لتكثيف عمليات إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة وتفعيل القائم منها في القطاع الأهلي، وأن تكون هذه السياسات قائمة على أسس علمية وتسعى لتحقيق الهدف المنشود بأقل الخسائر الممكنة.
3- زيادة أعداد الوافدين
على الرغم مما قدمته العمالة الوافدة من جهود ملموسة في جميع مجالات التنمية؛ إلا أن مسألة الاعتماد عليها على المدى الطويل، قد لا يكون مجدياً من عدة نواحي. إذ إن تكلفة العمالة الأجنبية لا تتمثل في مصاريف الرواتب والأجور والمبالغ المحولة للخارج فقط، والتي تعني هروب جزءاً من الاقتصاد السعودي إلى خارج الوطن؛ مما يحرمه من بقاء فوائض التنمية داخل الاقتصاد الوطني، بل تشتمل أيضاً على تكاليف اقتصادية أخرى حيث يترتب على وجود هذه العمالة عبء على الإنفاق الحكومي يتمثل في تأمين التعليم لأبنائهم وتقديم الخدمات الصحية.
كانت وما تزال عملية توظيف المواطنين السعوديين وإيجاد فرص عمل لهم هاجساً وطنياً وقضية مهمة على المستويين الشعبي والرسمي وعلى ضوء ذلك فقد اتخذت الدولة عدداً من الإجراءات منها رفع رسوم الاستقدام وفرض نسبة السعودة على المنشآت الخاصة.
malmoikel@hotmail.com