تململت أكثر من دولة في القارة العجوز مما يحدث في البلقان، وبدا أن استقلال كوسوفو الذي نزل بمثابة الصاعقة على صربيا، رغم توقعها له، ليس شأناً بلقانياً فقط، وإنما يمسُّ من قريب دولاً في الجوار وأخرى في الجنوب الأوروبي مثل إسبانيا التي شذَّت عن باقي رفيقاتها الأوروبيات ورفضت الاعتراف بهذا الاستقلال واضعة في الاعتبار التهديد المحدق بها من إقليم الباسك الذي ينزع إلى الاستقلال.
وفي الجمهوريات المستقلة المجاورة للبلقان فإن نزعات الانفصال تتصاعد جهراً ولم تعد سراً يمكن إخفاؤه، وهي تكتسب زخماً جديداً مع هذه الرياح التي تهب من جنوبها وتحمل قدراً من الأمل لمن يراودهم حلم الاستقلال.
وبشكل عام فإن الخطوة التي انتهت باستقلال كوسوفو التي تضم أغلبية ألبانية مسلمة، أحدثت هزة عنيفة على طول العالم وعرضه محدثة انقساماً حاداً في المواقف مع إرهاصات قوية بأن العالم على شفا فترة جديدة من الحرب الباردة مع اصطفاف القوى الدولية كبيرة وصغيرها في صفوف المؤيدين والمناهضين للاستقلال، حيث برزت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في صفوف المؤيدين بينما تصدرت روسيا حليفة الصرب المناهضين للخطوة.
ومما يعزز من أجواء الحرب الباردة انضمام العملاق الصيني إلى الموقف الروسي، حيث إن للصين أيضاً هواجسها من هذه النزعات الانفصالية خصوصاً من جهة إقليمي التبت وسنكيانج فضلاً عن الأرق المزمن بشأن تايوان.
ويبقى في النهاية أن الشأن يهم في المقام الأول أهل كوسوفو الذين عانوا من حرب إبادة قاسية. وبالنسبة للتأثيرات المتوقعة فإن لكل دولة ظروفها الموضوعية، ومع ذلك فإن المواقف المؤيدة والمعارضة تعتبر سوابق مثبتة قد تؤثر في السياسات المستقبلية لمختلف متخذيها فيما إذا تعرضوا لمحاولات داخلية للانفصال.
ولهذا فإن دول الاتحاد الأوروبي ترفض حتى الآن إصدار بيان شامل يعبر عن تأييد الاتحاد لخطوة الاستقلال تاركاً لكل دولة عضو اتخاذ ما تراه مناسباً على ضوء المواقف الإسبانية واليونانية من التطورات في كوسوفو، على أن الاتحاد الأوروبي يجدد في كل حين وآخر عرضه لصربيا بضمها إلى حظيرته مذكراً إياها بأن التعامل بحنكة مع كوسوفو قد يساعد في التعجيل بتنفيذ هذه الوعود.
ولا يسلم جزء من العالم من تداعيات الحدث الجلل في كوسوفو، ولهذا فإن هذه المسألة ستظل لبعض الوقت عاملاً مؤثراً في السياسة الدولية، وقد تلقي بظلالها على معظم في شؤون العالم، وهي لذلك تستوجب قدراً كبيراً من الحذر والحكمة حتى لا يشتعل البلقان مجدداً.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244