Al Jazirah NewsPaper Wednesday  20/02/2008 G Issue 12928
الاربعاء 13 صفر 1429   العدد  12928
صناعة الإعلام... رؤية خاصة
إبراهيم المعطش

صناعة الإعلام، كفن قائم بذاته، له أسسه ومؤسساته، وقيمه ومقوماته، وعالمه ورجاله، ليس كأي نشاط استثماري أو تجاري يتطلب رأس المال والبنيات الأساسية والكوادر البشرية وحسب، بل هو حقل يختلف عن بقية أوجه الأعمال، كونه يعتمد على الفكرة، ويرتكز على الكلمة، ويقوم على مخاطبة عقول ووجدان المتلقين، وتلبية احتياجاتهم وملامسة اهتماماتهم، وإشباع رغباتهم الذهنية والنفسية والروحية.

وتنطلق صناعة الإعلام والصحافة من توفر الموهبة وخاصية الإبداع، وغزارة الثقافة وتنوعها، وأمانة الكلمة، ومفهوم الرسالة، ومن ثم تعتمد الخبرة الواسعة والتجربة العميقة، والمعرفة التامة وهي مهمة جداً لقيام إعلام احترافي رصين، مثلما أن الموهبة ضرورية لانتقاء الموضوعات والقضايا التي تلقى تجاوباً لدى جمهور المتلقين، بل تلبي تطلعاتهم وترضي طموحهم، فضلا عن المنهجية والأسلوب اللذين يمثلان آلية التواصل بين الطرفين، أما المصداقية فهي ركن أصيل من أركان صناعة الإعلام المهني الجاد والموضوعي المتجرد من نوازع الذات وطغيان ال(أنا) وروح الانحياز الضيق والانطلاق من ردود الأفعال والمواقف المسبقة، وبناء الفكرة عليها والتفاعل بموجبها، وكذلك من مهام الإعلام البعد عن تكريس العصبية والمناطقية والطائفية والمذهبية والعرقية وعدم إثارة النعرات أيا كان نوعها، والابتعاد عن الابتذال ودغدغة الغرائر.

صانع الإعلام حينما تتوفر لديه مثل هذه القناعات، وكذلك الكوادر المؤهلة التي تحمل الأفكار الإيجابية والقدرات الذاتية والأخلاقيات المهنية والدراية برسالية العمل الإعلامي ومنهجية المهنة، وتكون لديه الأموال الكافية لإنشاء مشروع إعلامي، وقتها نستطيع القول إنه سيكون من صناع الصحافة والإعلام الماهرين الناجحين، ليس بالحكم عليه فقط من خلال تلك المؤهلات بل الجمهور هو الذي سيطلق عليه ذلك اللقب، لأن تلك المعطيات اذا اجتمعت لا ينتج عنها إلا وسيلة إعلام نظيفة هادفة احترافية موضوعية تقوم بالرسالة بكل متطلباتها وتراعي واجباتها وأخلاقياتها.

فالمصداقية تجاه الجمهور لا تنحصر فقط في إيصال المعلومة مجردة، بل إيصال كل جوانب المعلومة وأوجهها المختلفة والبحث عما وراءها، وقبل كل ذلك إيكال الأمر إلى ذوي الخبرات والاختصاص ولا يقصد بذوي الاختصاص - هنا - فقط من درسوا هذا المجال وتخصصوا فيه بصورة منهجية أكاديمية، بل أيضا من حباهم الله الموهبة والحس الإعلامي والقدرة على الإبداع في شتى جوانب العمل الإعلامي، ليس لتقديم عمل إعلامي وقتي يناسب المتلقي، ويلتزم الأسس والقواعد العرفية والمهنية والقانونية وحسب، إنما العبرة في القدرة على التغير والتطوير والمواكبة والمنافسة فهذا عنصر مهم للاستمرارية والبقاء.

لذا يمكن القول إننا نواجه تحديات لا يصمد أمامها إلا من يملك القدرة على محاكاة لغة العصر، ومقومات الصمود وامتلاك زمام المبادرة في التغيير الإيجابي والتطوير نحو الأفضل في عالم صارت النقلات فيه تتم خلال فترات زمنية قصيرة تحسب بالأيام وليس بالسنوات الطويلة كما يحدث في الماضي، أي مقدرة الوسيلة الإعلامية على الاحتفاظ بشبابها ومقاومة مظاهر الشيخوخة والهرم.

فالإعلام الرصين اليوم هو القادر على إحداث تطور فعلي ملموس على مستوى الاستجابة لاحتياجات العصر، ومراعاة الأنماط الحديثة المنافسة، وكذلك الارتقاء بواقعه وكوادره وآلياته، والإسهام في تكوين وعي خطابي إجماعي ثقافي حضاري، وإثبات القدرة على الانحياز للضمير المهني أولا ثم إلى الضمير الاجتماعي، والوفاء لجوهر الثقافة، وفضلا عن ذلك امتلاك الشجاعة في الطرح وانتهاج الحرفية المهنية العالية، والصدقية والوثوق، بما يجعله مصدر اهتمام ومتابعة من قبل المتلقي، وذلك من خلال تقديم صيغ إعلامية متوازنة تعبر عن الجمهور المستهدف.

على صعيد الكوادر والأفراد يحرص الإعلام المهني الهادف على جعل عناصره ذوي كينونة خاصة ونجومية تجذب المتابع وتنتزع تفاعله، ولا يكون أفراده يمثلون ظلا لنجوم الاقتصاد والسياسة والأدب والفن والرياضة وغيرهم، ويكونوا توابع لهم تدور في فلكهم كما يحدث في كثير من الأحيان ولدي بعض المؤسسات الإعلامية التي ذوبت شخصية كوادرها في شخصية النجوم البارزين، حيث يعتبر الإعلامي - مهما لمع بريقه - أن مهمته أن يصل إلى نجوم المجالات الأخرى، وليس التحليق بمهنته في آفاق جديدة وفضاءات رحبة. حتى يسهم الإعلام بفاعلية في عمليات البناء والتزام الاعتدال والوسطية والانطلاق من المرجعية الوطنية الثقافية، والاستناد إلى الركائز الحضارية والقيم الاجتماعية والتقاليد والأعراف التي تمثل البعد الوجداني والثقافي والقيمي للمجتمع.

وطبيعي أن يتم ذلك بالاستفادة من التقنية المتاحة واستصحاب كل وسائل التطوير الممكنة حتى لا تتخلف صناعة الإعلام عن غيرها من الصناعات في عصر يتسابق الكل لكسب الجولة وتحقيق الريادة.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد