عاد المتباكون على الأمة الإسلامية يذرفون الدموع على بوابة غزة المخنوقة. بدؤوا في استغلال هذه الأزمة ليكرروا حضورهم في المشهد السياسي. وكما عودوا أتباعهم فهم الوحيدون لا غيرهم الموجوعون من جراح الأمة وآلامها. هذا المشهد يتكرر منذ لحظة الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وقيام دولة إسرائيل. تذرف الدموع على فلسطين حتى تجمع أكبر كمية من العواطف ثم تنقل هذه العواطف بعد أن تحول إلى طاقة عمل إلى أماكن أخرى لا علاقة لها بفلسطين.
خرج زعيمهم السيد عبدالله عزام من فلسطين ومر على عدد من الدول العربية من بينها المملكة وأخيراً استقر به المقام في أفغانستان ينصر الأمريكان في حربهم على الاتحاد السوفيتي.
تحت دعوى الجهاد ذهب إلى أبعد نقطة عن فلسطين يبحث عن الجنة باسم فلسطين. لم يذهب وحيداً أخذ معه آلافاً من شباب الأمة الإسلامية (تحت شعار ما زال باقياً) الدموع على فلسطين والجهاد في كل مكان إلا فلسطين. اليوم وعلى وقع أحداث غزة يعود ورثة عبدالله عزام يقرعون الطبول ويذرفون الدموع وقد اعتادوا وهم على حق أن الضجيج يمحو التاريخ. لم يحاكمهم أحد، من ساءل زعماء هؤلاء وساءلهم لماذا لم تطلقوا طلقة واحدة على إسرائيل؟ لماذا ذهب شيخكم الفلسطيني إلى أفغانستان وترك أرض بلاده وأولى القبلتين وحارب في صفوف أكبر دولة تدعم إسرائيل حتى حقق لها النصر ومات في سبيله.
جال ورثة عبدالله عزام الأرض كلها: لندن، نيويورك، مدريد، الرياض، تنزانيا، الجزائر، العراق، وكأن فلسطين ليست موجودة على خريطة هذا العالم، من الواضح أن هناك جولة جديدة لورثة عبدالله عزام فمأساة غزة فرصة لبناء طاقة جديدة لجولة جديدة، عادوا بنفس الأدوات: الخطب الرنانة والقصائد العصماء والمقالات النارية عادوا لإرباك الشباب وإنهاك قدراتهم على التفكير السوي. صارت فلسطين المنجم الذهبي الذي يمنح منه هؤلاء الطاقة لإحكام سيطرتهم على الشباب وإخراجهم من الحس السليم والتفكير العقلاني. لتأتي أخيراً منظمة حماس وتوفر لهم غطاء ملتحياً يستدعي مزيداً من الدموع فالمأساة أصبحت مأساتين. فإسرائيل لا تحارب الشعب الفلسطيني وتجوعه فقط، بل تحارب الخير والصلاح المتمثل في لحية حماس. الشعار الآن أصبح أشد وأمضى. (إسرائيل تخنق غزة من أجل إسقاط حماس). شعار غبي وذكي في نفس الوقت. غبي لأنه ينقل المعركة المريرة مع إسرائيل إلى مجرد معركة مع منظمة ملتحية وذكي لأنه يبرر الحرب على العالم وعدم المساس بإسرائيل. يبرر حشد الطاقات باسم فلسطين وتوظيفها لتفجير الرياض أو بغداد أو كراتشي. فالقضية ليست أرضاً محتلة وشعباً مذلولاً وعاراً إنسانياً، القضية مصالح شخصية تبنى على أوهام وأساطير تاريخية. بناء إمبراطورية إسلامية متوهمة على حساب كرامة الشعوب وأمنها واستقلالها وقبل ذلك على حساب مأساة الشعب الفلسطيني.
فاكس : 4702164
yara.bakeet@gmail.com