يحكى أنَّ طفلاً كان يسير مع والده في زحمة شوارع دولة أجنبية، فشاهد رجلاً يسير في عكس اتجاه الشارع، فقال الطفل لوالده محذراً: انظر هذا جاسوس! وقد ظنَّ الطفل ذلك لأنَّ الرجل كان مخالفاً لقواعد السير المحددة والمعروفة التي تربَّى عليها ذلك الطفل وتعود عليها.
وإن كنت لست ممن يجرون وراء استيراد الأفكار والموضات صالحها وطالحها، ولكن إذا كانت تجارب غيرنا فيها ما يفيد فلماذا لا نقف إزاءها بالتأمل والبحث في جوانب الاستفادة منها؟
وإن كُنَّا نقول من حين لآخر إنَّ الأمن مسؤولية كافة أبناء المجتمع وبخاصة في مثل هذه الأوقات، فلماذا لا نفكر كيف نحول هذه المقولة إلى واقع يجعل الجميع رجال أمن يقدرون للأمن قيمته بمفهومه الشامل ولماذا لا نتوجه نحو التفكير في غرس مبادئ الأمن وسلوك السلامة لدى أطفالنا منذ الصغر؟ رُبَّما يُشمِّر بعض المسؤولين عن سواعدهم عند قراءة هذا الكلام لأنَّه يمس أمننا ليقولوا إنَّ لدينا من البرامج ما يفوق غيرنا؛ وإنَّ عندنا من الجهود ما يرقى على جهود الآخرين في التربية وفي التعليم وفي برامج الإعلام والتثقيف والإرشاد، وكأنَّه ليس في الإمكان أبدع مما كان. وإنَّنا إذا اكتفينا بذلك وحاولت كل مؤسسة أن تدافع عن نفسها، وأن تبرز سابق جهودها فكأنَّنا سنعود إلى حيِّز ضيِّق يجعل الأمن مسؤولية رجال الأمن فقط ويرفع المسؤولية عن غيرهم. ولكن مراجعة وتأمل ما تقوم به مؤسسات المجتمع بدءاً من الأسرة هو مطلب مهم وضروري يفرضه واقع الأمن ومسؤوليته في عالم أصبحت فيه الجريمة معقدة وتحتاج إلى جهود وبرامج وقائية أكثر من حاجتها لجهود مكافحة وضبط بعد أن تحدث. فنحن يجب أن نولي الجانب الوقائي ما يستحق من اهتمام، وأن نعيد مراجعة ما نقدمه في هذا المجال من وقت لآخر حتى يصبح أمننا مسؤوليتنا جميعاً وليشمل ذلك أبناءنا منذ الصغر.والله الموفق،،