كثيراً ما تؤكد أدبيات الأيدولوجيا الليبرالية على حفظ حق التعبير وقداسته في المجتمعات الغربية مؤطرة ذلك تحت حجج حرية الرأي وتباين وجهات النظر، وهو أمر معلوم ومفهوم لمن يعرف أساسيات الفكر الليبرالي الغربي الذي يجنح دائماً إلى التأكيد على تلك الحقوق تحت شعار الديمقراطية وعلمانية المجتمعات.
إلا أن غير المفهوم هو أن تتحول تلك المفاهيم إلى ما يشابه السهام التي تستل من حين لآخر لتوجيهها إلى نحور مقدسات ومعتقدات أصحاب الأديان الأخرى، والأدهى من ذلك أن هذا الأمر أصبح مشاعاً لرعاع وفوضوي الثقافة الغربية الذين باتوا مصابين بما يشابه اللوثة الليبرالية والهوس في قناعات الحرية غير المقننة بل والغير عقلانية، التي قلبت مفاهيمها لتتعدى أطر المسئولية الفردية المشروطة إلى متاهات ديماغوجيا التعبير والتحرر.
ما صدر أخيراً من إعادة نشر الرسوم المسيئة للرسول الكريم (عليه افضل الصلاة والتسليم) لا تقل قتامة وسوداوية عن تطرف ما يعرف بالإرهاب الإسلامي لدى العقل الغربي والذي أرسى دعائمه أرباب الفكر الضال من خوارج العصر ومتطرفي المرحلة، وكأن التطرف قد جلب تطرفاً آخر ولكن من نوع مغاير, وهذا ما يقودنا إلى القول إن سمة التطرف في المعتقد لا تقتصر على تطرف الأديان بل إنها تتعدى ذلك وتشمل تطرف الأيدولوجيا والمعتقد السياسي والفكري.
من نافلة القول إن خطر التطرف الأيدولوجي والفكري هو أخطر بكثير من خطر التطرف الديني وعندما نحاول أن نفسر مثل هذا الطرح نجد أن هناك عدة معايير ومعطيات تثبت هذا الطرح وتؤكده فالتطرف الديني بات أمر متعارف عليه ومعتاد بل ومألوف منذ أزل التاريخ في السيرة الذاتية للأديان والمعتقدات، إلا أن تطرف المعتقد الفكري والأيدولوجي ونعني به ما يجنح أحياناً إلى الاتكاء على نوع من النسق المعرفي هو حديث الولادة والتكوين في التجربة الإنسانية وصفات التطرف والعنصرية به سمات تسربية مستترة تطرح وتغلف بغلاف شفاف وجميل من الأطروحات الرومانسية الساحرة والخلابة التي يسهل من خلالها تمرير الكثير من الأجندات الإقصائية والمشاريع المتطرفة ضد الآخر. (كحرية التعبير وإبداء الرأي والنقد) وغيرها من المسلمات الوضعية التي نحترمها كونها إنتاجاً للعقل البشري وإفرازات تجارب فكر ثقافة إنسانية شريطة ألا تتحول تلك المفاهيم إلى ما يشابه السياط التي تجلد ظهور الآخرين وتفتح أتون الجحيم على معتقداتهم ومقدساتهم كل ما اشتهت ذلك تحت مبررات أضحت تهدد التعايش السلمي المشترك للإنسان بعد أن كان إنتاجها بهدف إسعاده وتأصيله.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244