Al Jazirah NewsPaper Saturday  16/02/2008 G Issue 12924
السبت 09 صفر 1429   العدد  12924

دفق قلم
في مكتبة الأحقاف
عبد الرحمن بن صالح العشماوي

 

في جولتنا المباركة في يمن الإيمان والحكمة مررنا بمعالم تاريخية موغلةٍ في العراقة، فقد رأينا في صنعاء طرازها المعماري القديم المبني من الحجر والطين بناءً سامقاً شاهقاً يدلُّ على مقدرة معمارية متميِّزة، كما رأينا موقع (القُلَّيْس) الكنيسة الشهيرة التي بناها أبرهة ليصد بها الناس عن الكعبة فكانت هي الطريق إلى هلاكه وهلاك جنده بطير الأبابيل كما ورد في القرآن الكريم.

أما في بلاد الأحقاف (محافظة حضرموت) في جنوب اليمن فقد رأينا من الآثار القديمة التي تعود إلى آلاف السنوات ما جعلنا نقف أمام حقيقة الدنيا الفانية التي لا تدوم لأحد، قصور وحصون، وممالك تدلُّ على المستوى الكبير الذي وصل إليه أقيال اليمن وملوكها، وأساطينها، ومخطوطات موغلة في القدم تحمل من أفكار الناس، وثقافاتهم وعلومهم وآدابهم وأحكامهم ما يدلُّ على نمط حياتهم فسبحان الذي خلق وقدَّر وهو حيٌّ لا يموت.

كان من أهم المعالم التي زرناها مكتبة الأحقاف.. وهي مكتبة ليست بالكبيرة في حجمها، ولكنَّها تضمُّ عدداً غير قليل من المخطوطات المهمة في شتَّى العلوم والمعارف، ومن طرائف ما سمعت حينما دخلنا إلى المكتبة أن بعض الإخوة قال: هذا الاسم ليس غريباً عليَّ، أذكر أنني سمعته كثيراً يقصد بذلك اسم الأحقاف، فقلت له ممازحاً: يبدو أنك رأيته في المنام، ولما أخبره أحد الإخوة بأن سورة في القرآن الكريم تحمل اسم الأحقاف، قال معلِّقاً على نفسه: هذا والله دليل العلم والعناية بالقرآن الكريم، ومن طرائف ما حدث في هذه الزيارة أيضاً قول أحد الإخوة لما سمع اسم أحد اليمنيين (هود): كيف يسمُّون باسم هود وهم قوم أهلكهم الله؟ وحينما نبَّهه صاحب الاسم بأنَّ هذا اسم نبي طأطأ برأسه خجلاً، فقلت له: إنما السبب في هذا عدم تلاوة الورد القرآني كل يوم، فإن الانقطاع عن كتاب الله وتلاوته خسارة كبيرة روحياً وعلمياً وثقافياً.

الأحقاف هو الاسم القديم لوادي حضرموت، والحِقْفُ (بكسر الحاء وتسكين القاف) هو المرتع من الرَّمل، ولكثرة كثبان الرمال سُمِّيت الأحقاف.

مكتبة الأحقاف للمخطوطات أُنشئت عام 1972م وهي في مدينة (تَرِيم) حيث تكونت من مخطوطات أهداها عدد من ورثة المهتمين بالمخطوطات من (آل بن يحيى، وآل بن سهل، وآل الجنيد، وآل الجداد، ورباط تريم، وآل الحسيني، والعيدروس عن الحزم، ومكتبة السلطان صالح القعيطي من المكلا)، وقد أطلقوا اسم (الأحقاف عليها) إحياءً لهذا الاسم التاريخي الذي ورد في القرآن الكريم اسماً لإحدى سوره المباركات.

أقدم المخطوطات في المكتبة يعود إلى القرن الخامس الهجري، ومعظمها يعود إلى القرنين العاشر والحادي عشر الهجريين، وأهم الفنون التي تحتويها المخطوطات: التفسير، والحديث، والفقه، والتصوف، والتاريخ، والتراجم والسير، والأدب واللغة، والطب، ومخطوطات المجاميع التي تحتوي الواحدة منها على أكثر من فنٍّ وعلم.

لفت نظري وجود مخطوطة غير منقوطة للجزء الخامس من البيان في تفسير القرآن لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، وعليها تاريخ نسخها عام 595هـ بخط النسخ.

ورأيت نسخة لخمسة أجزاء من كتاب (الدر المنثور في التفسير) لجلال الدين السيوطي، مكتوبة بخط واضح ومزيَّنة بالذهب على الطريقة المملوكية، وعليها إجازات مكتوبة بخط المؤلف وتاريخ نسخها عام 897هـ.

في مكتبة الأحقاف حفر التاريخ وعلى رأسه عمامة الوقار، وفي وجهه علامات المهابة.

إشارة:

أيُّها الموغل في تاريخها

سترى عزَّاً وتلقى شَمما

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5886 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد