(إذا رغبت في الكتابة فإنك تحتاج إلى قلم، وإذا رغبت في اتخاذ قرار فإنك تحتاج إلى المعلومة )، لعلنا ننطلق من هذه الفرضية لفهم العلاقة التكاملية بين اتخاذ قرار الاستثمار والإفصاح عن المعلومات الملائمة، فالإفصاح في السوق المالية يتم من طرفين الجهة المشرفة على السوق والشركات المدرجة فيه، فخلال الأيام الماضية أصدرت تداول أول إفصاح لها عن نسب التملك وأعلنت الشركات المدرجة عن نتائجها المالية للربع الرابع، فكيف يمكن فهم أثر هذه الإفصاح على اتخاذ القرار الرشيد؟
مع كل هزة أو هبوط قوي يصيب السوق يخرج في وسائل الإعلام المختلفة من ينعي السوق، ويطلب بسرعة تدخل الجهات المسئولة لتقصي أسباب النزول والإعلان عنها وعقاب المتسبب فيه، ويسترسل هؤلاء الأشخاص بخيالهم الخصب في نسج خيوط الشك وحياكة نظرية المؤامرة وتشخيص أبطالها وتوزيع الأدوار عليهم ووصف ضحاياها بأنهم مساكين سلبت أموالهم عنوة وتم استغفالهم قهراً.
يتجدد هذا الطلب مع كل هزة تصيب السوق وبنفس السيناريو مع تغيير لأبطال المؤامرة فمرة تكون الصناديق ومرة البنوك ومرة فلان من الناس، ويتم تصوير هؤلاء على أنهم يتملكون قدرات خاصة تتجاوز المحسوسات إلى عالم ما وراء المادة ليتم تفسر صعود السوق وهبوطه وفقاً لإرادتهم ونزولاً عند رغبتهم في ظل غياب تام للمسلمات الاقتصادية ونظرية العرض والطلب التي لا تجد إلى عقولهم طريق.
إن هذا الفكر التآمري المضلل ما كان له أن يروج ويكون له قبول عند عامة الناس لو كان هناك إفصاح وشفافية حول حركة الملكية ونسبها تصدر من الجهة المشرفة على السوق، فكلنا سمع خلال فترة الانهيار من قال إن الصناديق قامت برفع السوق أو أن المضاربين قاموا بخفضه ومع دخول الأجانب والخليجيين في السوق سمعنا من يوزع عليهم أدوار ثانوية في مسلسل المؤامرات.
إفصاح واحد أصدرته تداول حول تصنيف المستثمرين في السوق وحجم تعاملاتهم كان كفيلا بوضع الأمور في نصابها ونقض نظرية المؤامرة وإلجام من يروج لها، فالإحصائية المذكورة تبين أن 92% من قيمة الأسهم المتداولة في السوق لشهر يناير كانت للأفراد السعوديين بينما كان نصيب صناديق الاستثمار 1.4% فقط، ومن المثير للانتباه أن تجد تأثير الخليجيين أو العرب المقيمين والذين يعتبرون حديثي دخول في السوق أكبر من تأثير الصناديق الاستثمارية، مما يعزز النزعة الفردية في الاستثمار بكل أطيافها والتي تتسم على العموم بالسلوك العشوائي وعدم القدرة على التقدير والتنبؤ.
وعلى صعيد إفصاح الشركات المدرجة نجد أن عاصفة النتائج المالية للربع الأخير من عام 2007م وما حملته معها من أرباح وخسائر للشركات المدرجة، خلفت وراءها الكثير من علامات الاستفهام والتعجب ليس حول النتائج المالية فقط وإنما حول طريقة عرضها والإفصاح عنها. ففي الوقت الذي حقق فيه مؤشر السوق المالية مكاسب عززت من قيمته خلال الربع الأخير من عام 2007 م عاد مع بداية العام الحالي مرة أخرى إلى الخلف مهدراً تلك المكاسب على خلفية هذه الإعلانات التي قسمت المتداولين في السوق إلى فريقين؛ أحدهما فهم دلالاتها وأدرك أثرها الحالي والمستقبلي ورتب مركزه المالي وفقاً لذلك أما الفريق الأخر فيكتفي بظاهر الإعلان، ولعل من نافلة القول إن عامة المتداولين في السوق والطرف الأضعف في معادلة الإفصاح هم الفريق الثاني، لذا سعت الأنظمة والتشريعات لحماية هذا الطرف بشكل خاص والسوق بشكل عام، وذلك بتوفير المعلومة بشكل ملائم وفي الوقت المناسب.
لقد أدركت هيئة السوق المالية هذا الواقع من حيث قيام بعض الشركات المدرجة بحجب بعض المعلومات المالية في الإعلان الربعي وإظهار بعض المعلومات التي لا فائدة من ذكرها وذلك للبس الحق بالباطل وفقاً لمصالح إدارة الشركة، لذا سعت منذ عام 2006م لإصدار نماذج الإفصاح التي تقنن محتويات إعلان النتائج الربعية وتحدد بشكل واضح الأرقام والنتائج الواجب الإفصاح عنها.
والمتأمل لإفصاح بعض الشركات المدرجة في السوق عن نتائج الربع الأخير من عام 2007م يضن أن هذه الإعلانات صدرت في ظل عدم وجود جهة رقابية في السوق حيث لم تلتزم هذه الإعلانات بنماذج الإفصاح المعتمدة من الهيئة لذا غابت بيانات هامة وحضرت بيانات ليس لها قيمة.
وسأكتفي بذكر أربع حالات تدل على ذلك ، أولها لشركة زراعية ورد خطأ في مبلغ خسائرها الربعية واستغرق من الشركة تسعة أيام لتصحيح هذا الخطأ على موقع تداول، كما أن إحدى الشركات حديثة الإدراج لم تقم بعمل مقارنة ربعية مع نتائجها للفترة المماثلة من العام السابق على الرغم من قيامها بعمل مقارنة ربعيه في إفصاح الربع الثالث، كما قامت شركة أخرى حديثة الإدراج بحساب ربحية السهم وفقاً للمتوسط المرجح لعدد الأسهم لكي يعطي انطباعا أفضل عن معدل ربحيتها، وأخيرا قامت إحدى الشركات والتي منيت بخسائر قياسية في قطاعها خلال الربع الرابع بتضليل مساهميها، وذلك بإخفاء السبب الرئيسي وراء خسارتها وذكر سبب آأخر.
لو أخذنا إفصاح قطاع البنوك كنموذج والذي يفترض فيه أن يكون مثالياً لوجدنا الكثير من المتداولين الذين كانوا يتساءلون عن أسباب انخفاض أرباح البنوك خلال الربع الثالث، أصبحوا يتساءلون عن أسباب تحقيق خسائر في الربع الرابع.
بنوك، الجزيرة، والبلاد، والهولندي، حدث تغيير في إدارتها العليا، هذه البنوك الثلاثة بالإضافة إلى بنك الاستثمار انخفضت أرباحها بأكثر من 50% خلال عام 2007 م مقارنة بالعام الذي قبله، بنوك الاستثمار والبلاد والهولندي حققت خسائر خلال الربع الرابع، كل هذه مؤشرات تخفي خلفها دلالات حول أداء هذه البنوك والقطاع بشكل عام.
هل لازمة الائتمان العالمي أثرت على البنوك المحلية؟ سؤال لم تجب عليه الإعلانات الربعية، ولكن قد نجد أثره في القوائم المالية؛ فمثلاً القوائم المالية للبنك السعودي الهولندي تشير إلى أن مخصص خسائر الائتمان بلغ 495 مليون ريال بينما يبلغ هذا المخصص في قوائم البنك العربي الوطني 67 مليونا، وفي البنك السعودي الفرنسي42 مليونا؛ علماً أن رأس مال البنكين الأخيرين يعادل ضعف رأس مال البنك السعودي الهولندي.
النتائج المالية لعام 2007 م تشير إلى أن قطاع الزراعة حقق نموا موجبا في أرباحه، بينما القطاع البنكي تراجعت ربحيته فهل هذا يعني أن الاستثمار في قطاع الزراعة أفضل من الاستثمار في قطاع البنوك؟ أكاد أجزم بأن الإفصاح الذي يوفر المعلومات المناسبة هو القادر على الإجابة على هذا التساؤل وهو مخرج السوق من أزماته.