ربما تكون قد بدأت أجهزة الاستخبارات والدراسات الاستراتيجية في كثير من دول العالم جمع المعلومات عن الشخصيات المرشحة للرئاسة الأمريكية؛ لأن الرئيس الأمريكي يعد منصباً مؤثراً على السياسات العالمية في مختلف جوانبها السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية والاجتماعية..
ومع مرور الوقت يتم استبعاد شخصيات خرجت من المنافسة، والتركيز على شخصيات تحظى بفرص أكبر. وفي أغسطس القادم أي بعد حوالي خمسة أشهر أو أقل من ذلك تكون المنافسة بين شخصيتين لا غير، حيث يكون كل من مندوبي الحزب الديمقراطي ومندوبي الحزب الجمهوري قد قالوا كلمتهم، وأعلنوا مرشحهم، وأعلنوا في نفس الوقت أجندتهم السياسية إلى الأمة الأمريكية. وفيما يبدو أن السيد ماكين قد بدأ يستقطب الترشيح عن الحزب الجمهوري، إلا أن السباق على أشده في الحزب الديمقراطي بين هيلاري كلنتون وباراك أوباما.
وهكذا فإن أجهزة الدراسات والاستخبارات في العالم تكون قد بدأت تركز على هذه الشخصيات الثلاث.. ويمكن أن يكون العنوان الرئيسي عن الانتخابات الأمريكية هو: هل يقبل الشعب الأمريكي حكم الأقليات السياسية التي تمثلها المرأة من جانب هيلاري كلنتون أو أقليات السود كما يمثلها باراك أوباما؟ أما ماكين فهو من العرق الأبيض، العرق التقليدي الذي يحكم الولايات المتحدة منذ قرون.
كما يجب أن نضع هنا ملاحظة جوهرية حول الانتخابات الأمريكية، فبينما يتأثر الناخب الأمريكي العادي بمظاهر خارجية في الشخصية، فإن القوى السياسية والاقتصادية الأمريكية تضع ثقلها الكبير خلف الأجندة السياسية والاقتصادية للمرشح أو للحزب.
وعادة ما تطيح هذه القوى الكبرى داخل المجتمع الأمريكي بمرشح الشعب (الفرد العادي) لصالح حساب مرشح المصالح الاستراتيجية الكبرى المؤثرة على شؤون الحياة العامة.
وفيما يلي نستعرض بعض ملامح من شخصية باراك، على أن نتبعه في مقالات قادمة بمشيئة الله بملامح من الشخصيتين الأخريين..
من هو باراك أوباما؟
ولد عام 1961م في هاواي من أب كيني وأم أمريكية، التقيا عندما كانا يدرسان بجامعة هاواي، وتزوجا حيث ولد باراك، وبعد عامين حدث طلاق بينهما.
وقد توفي والده عام 1982م عندما عاد إلى كينيا وتعرض لحادث سير أودى بحياته.
وتزوجت والدته من أجنبي آخر، وهذه المرة من إندونيسيا، حيث ذهبت وأقامت معه سنوات، حيث درس باراك سنوات دراسته الابتدائية في جاكرتا، وهناك كتب مقالاً في مادة الإنشاء ذكر فيه أنه يريد أن يكون رئيساً؛ ما لفت انتباه معلمته التي ذكرت فيما بعد في مقابلة مع صحيفة شيكاجو تربيون أنها لا تعرف أين يود باراك أن يكون رئيساً في إندونيسيا أم أمريكا أم كينيا؟ ثم عاد إلى هاواي، وأكمل دراسته إلى أن توفيت والدته بالسرطان عام 1995م.
وذهب إلى شيكاغو للانخراط في أعمال في خدمة المجتمع المحلي وبعض المشروعات الخاصة بالأقليات الفقيرة في شيكاغو.
ثم درس القانون في جامعة هارفارد، الجامعة التي كان والده يحضر فيها شهادة الدكتوراه..
وأضاف باراك درجة تعليمية أخرى في العلاقات الدولية من جامعة كولومبيا في نيويورك.
ثم بدأ مشواره السياسي من شيكاغو؛ حيث انتخب ممثلاً في عضوية الكونجرس عن ولاية الينوي عام 1996م. وفي عام 2004م تم انتخابه عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي.
وقد ألّف أوباما كتابين، الأول عام 1995م (أحلام من والدي Dreams from my Father)، وكان يعكس ذكرياته بين هاواي وجاكرتا ولوس أنجلوس ونيويورك وشيكاغو، إضافة إلى كينيا موطن والده، حيث زارها وقضى فيها بعض الوقت للتعرف على ثقافة والده والمكان الذي ولد ومات فيه.
أما الكتاب الآخر Audacity of Hope (جرأة الأمل) فهو يشكل أجندته السياسية وطموحه نحو البيت الأبيض حيث صدر عام 2006م.
وقد علّق على صدور هذا الكتاب أحد المرشحين الأمريكيين السابقين جاري هارت، حيث قال إن هذا الكتاب هو (أطروحة نحو الرئاسة الأمريكية).
وقد خلط البعض بين أوباما وكيث إلسون، حيث اعتقد البعض أن أوباما هو الذي حلف على القرآن عندما انتخب في الكونجرس الأمريكي، والصحيح أن كيث إلسون هو الذي حلف على القرآن؛ لأنه مسلم ممثلاً عن ولاية متشجن، أما أوباما فهو مسيحي، ولكنه مطلع على الدين الإسلامي من خلال دراسته وتواجده في بيئات ثقافية مختلفة.
وقد زار منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا وغيرها من دول العالم.
وقد وصفت مجلة ستيتسمان البريطانية في عام 2005م باراك أوباما بأنه من بين أفضل عشر شخصيات عالمية يمكن أن تحدث التغيير في العالم.
وقد أكدت مجلة تايم الأمريكية عام 2005 وعام 2007م أن أوباما من أكثر الشخصيات نفوذاً في العالم.
وخلال الأعوام الثلاثة الأولى من عمله في مجلس الشيوخ منح باراك شهادة الدكتوراه الفخرية من ست جامعات أمريكية.
وأخيراً، فلا تزال عجلة الانتخابات مستمرة، حيث يتقدم إلى هذا اليوم السناتور باراك على السناتور هيلاري كلنتون بـ136 صوتاً، وتبقى أقل من عشرين ولاية ستحسم قرار الحزب الديموقراطي. ومن كبرى الولايات المتبقية تكساس وبنسلفانيا وأواهايو.. ومن المتوقع أن الحسم لن يتم إلا - ربما - في آخر ولاية (بورتوريكو) في 7 يونيو، أي قبيل الاجتماع الحزبي. ولكن قد تحدث مفاجآت، كأن تنهار صورة أحد المرشحين لسبب أو لآخر، فعندها يمكن أن تعلن الانتخابات عن فوز مبكر لأحد مرشحي الحزب الديمقراطي.. وفي معظم استطلاعات الرأي الأمريكية فإن فوز باراك على ماكين أقوى من فرص فوز هيلاري كلنتون على ماكين، وهذه نتيجة مهمة جداً ستلقي بظلالها على سير الانتخابات القادمة وخاصة بالنسبة إلى الناخبين الديموقراطيين الذين يتوقون إلى أن يصل المرشح الديموقراطي إلى البيت الأبيض في نوفمبر القادم.
(*) رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود alkarni@ksu.edu.sa