لا أبالغ حين أقول إنني ترقبت وغيري كثيرون نتائج مساءلة مجلس الشوري لمعالي الدكتور غازي القصيبي، وزير العمل لعدد من الأسباب التي لا تخفى على المواطن العادي، وربما لطبيعة المهام الجسيمة الملقاة على عاتق الوزارة والنتائج المنتظرة والمرجوة منها.

طالعت صحف هذا اليوم لأرى أن ما تم تحت قبة المجلس لم يكن سوى مدح معالي الدكتور القصيبي لشفافيته المعروفة وجرأته المعهودة في الحديث وفي الكشف عن مكامن الخلل، الأمر الذي لا يختلف عليه اثنان ممن يعرفون الدكتور القصيبي. لكن هل حقق المجلس هدفه باستدعاء معاليه؟ وهل تم فعلاً مساءلته عن تحقيق وزارته لأهدافها؟. كنت بحق أقرأ بشغف كل كلمة بل وكل حرف كتب عن مايزعم بأنها مساءلة متأملاً أن أقرأ ما يفيد في حل لقضايا شائكة عالقة ربما كانت هي رأس أولويات وزارة العمل مثل توظيف العاطلين عن العمل واستشراق مستقبل التوظيف بالمملكة، لكنني للأسف لم أجد ذلك مطلقاً.تحدث الوزير لست دقائق واستمع لأكثر من ساعتين وأجاب عن نحو 25 مداخلة تسلمها مكتوبة من أعضاء المجلس الموقر الذين وصف بعضهم الوزير بالشفافية والوضوح والصراحة بعد أن أشاد معالي الدكتور رئيس المجلس بإنجازات الوزارة.

كان معالي الوزير واضحاً صريحاً شفافاً وهو يعلن أن أكبر نسبة استقدام للعمالة في المملكة حدثت في عهده حتى بلغت في العام المنصرم نحو مليون وسبعمائة ألف تأشيرة. كان الوزير واضحاً في تحميل المواطن مسئولية العمالة السائبة، وكان شفافاً في الإعلان عن 280 ألف عاطل عن العمل بحسب مصلحة الإحصاءات العامة وكان أكثر وضوحاً حين إعلانه أن ما نسبته 90% منهم بلا مؤهل. كان الوزير شفافاً في رفضه وتحفظه على مقترح بصرف بدل للعاطلين بحجة أن المكافأة ربما تدفع العاطلين للتواكل في بحثهم عن العمل. كما كان صريحاً في إعلانه عن إنهاء وزارته أخيراً لمشروع الإسترتيجية الوطنية للتوظيف ورفع المشروع للمجلس الاقتصادي الأعلى تمهيداً لإقراره. كان الوزير واضحاً في إشارته أن الشهادة الثانوية لم تعد مؤهلاً كافياً مناسباً في الوقت الحالي لإيجاد عمل يناسب الشاب السعودي. وكان الوزير واضحاً حينما أعلن أن وزارته بصدد اعتماد هيئة للتقويم المهني والفني حيث لن يمر أي عامل سعودي أو مستقدم للعمل في القطاعات الفنية أو الصيانة إلا بعد إجراء اختبارات مهنية تبين مدى صلاحيته للعمل. واتضحت صراحة الوزير أكثر في إشادته بإنتاجية المرأه وتفوقها على الشاب في بعض التجارب، وكان آخر ما قرأت من صراحة الوزير توجه الوزارة إلى إيجاد نسب معينة للاستقدام من الدول المختلفة ومحاربته لفكرة توطين العمالة في دول الخليج.كانت تلك حصيلة أربع ساعات متواصلة قضاها معاليه تحت قبة مجلس الشورى في الرياض ما بين متحدث لست دقائق ومستمع لمدح معالي رئيس المجلس ومجيباً لنحو 25 مداخلة وأكثر من 100 سؤال من أعضاء المجلس الموقرين.

هنا أجد نفسي عاجزاً عن إخفاء رغبتي بمعرفة خلفية أعضاء المجلس عن أنشطة وزارة العمل من جهة وعن ما يواجهه الشباب والفتيات السعوديون الباحثون عن عمل من جهة أخرى، إضافة إلى رغبتي الملحة بمعرفة مدى المسافة بين أعضاء المجلس الكرام والشارع السعودي وعن مصادر المعلومات لديهم والتي بنوا عليها أسئلتهم لمعالي الوزير، بيد أن أمراً كهذا لا يعنيني من قريب ولا من بعيد، وما أنا بصدده هو مناقشة ما قرأته وغيري في عناوين الصحف عن مساءلة معالي وزير العمل والتي سردت لكم جلها فيما سبق بسياق هذا المقال.

لابد لي أن أشير إلى أنني من أشد المعجبين بشخص الدكتور غازي وهو يعلم ذلك جيداً واختلافي معه في وجهات النظر لا يعد أمراً شخصياً على الإطلاق، فكما لأعضاء مجلس الشورى الحق في مساءلة الوزير وجهاً لوجه، لنا الحق أيضاً على أقل تقدير في إبداء رأي حول تلك المساءلة والتي تصدرت قبل وبعد جميع صحفنا المحلية دون استثناء. وبرغم اعتراضي بالمطلق على كلمة مساءلة كون ما حدث لا يعدو كونه نقاشاً حول أنشطة الوزارة وإثارة لأكثر الموضوعات المطروحة على الساعة في قالب يخلو من التخصص، أقول برغم اعتراضي إلا أنني سأقوم بسرد النقاط التي جاءت عليها المساءلة مبدياً رأيي الشخصي حولها.

منحت الوزارة في العام المنصرم 2007 ما يقارب مليوني تأشيرة عمل اتجهت غالبيتها للأفراد وليس للمشاريع التنموية، تخيلوا معي أن تمنح الوزارة مليوناً وسبعمائة ألف تأشيرة عمل معظمها للأفراد وليس للأعمال التنموية في الوقت الذي تسعى فيه الهيئة السعودية للاستثمار لوضع المملكة ضمن أفضل عشر دول في العالم في جذب الاستثمارات الأجنبية. هل تم سؤال معاليه عن أسباب ذلك وعن الكيفية التي تم من خلالها توزيع الاستقدام على الدول ومن المستفيد وكيف تمت الموافقة على منح أفراد ذلك العدد الكبير من التأشيرات؟.. في حين تعاني مؤسسات وطنية صغيرة عثرات عدة بسبب نقص الكادر المهني لديها ورفض الوزارة منحها التأشيرات اللازمة.

أبدى معاليه تحفظه على دفع مرتبات للعاطلين عن العمل خشية تقاعسهم وتواكلهم في البحث عن عمل، الأمر الذي سيزيد نسبة العاطلين واعتمادهم على تلك الهبات الممنوحة لهم، هل تم سؤال معاليه إن كان ذلك رأيه الشخصي أم أنه خلاصة دراسة من متخصصين في المجال؟ وهل تم سؤال معاليه عن ما يمكن وضعه من آليات ضابطة لدفع تلك المرتبات ولتوظيف أولئك المستفيدين منها حالما توافرت الفرص؟.حمل معالي الوزير مسؤولية العمالة السائبة للمواطنين، وأنا أقول من منح المواطنون تأشيرات عمل؟ وهل الأجهزة الأمنية لدينا عاجزة عن التواصل مع الوزارة في سبيل إيجاد وسيلة تكفل حرمان المواطن من الاستقدام إذا كان هو السبب فعلاً في تسيب العمالة؟.

مائتان وثمانون ألف عاطل عن العمل ومائة وثمانية وأربعون عاطلة عن العمل، تلكم إحصائيات مستقاة من مصلحة الإحصاءات العامة بحسب معالي الوزير، ألم يطرح على معاليه سؤال عن الآليات التي وضعت في سبيل توظيفهم؟ وحسبي أن وزارة العمل هي الجهة الوحيدة التي يناط بها مسئولية كهذه. ماذا عن الأعداد المتوقعة في الأعوام المقبلة؟ هل تم وضع زيادة هذه الأرقام في الحسبان؟ وماهي خطة الوزارة للتصدي ليس فقط للوضع الراهن بل للأعوام القادمة.

ثم ذكر معاليه ما يفيد عن انتهاء الوزارة من رسم إستراتيجية التوظيف تمهيداً لرفعها للمجلس الاقتصادي الأعلى، هل تم شرح أهم بنود تلك الإستراتيجية وماهي أهدافها وآلياتها والكيفية التي بنيت عليها ومن قام بوضعها وهل تم إشراك القطاع الخاص والمتخصصين بوضعها مما يكفل تحقيقها ونجاحها؟.

ثم أعلن معاليه أن وزارته بصدد اعتماد هيئة للتقويم المهني والفني حيث لن يمر أي عامل سعودي أو مستقدم للعمل في القطاعات الفنية أو الصيانة إلا بعد إجراء اختبارات مهنية تبين مدى صلاحيته للعمل، - وإن كنت أجزم بأن المقصود هو تقييم وليس تقويم - ألم يتم طرح سؤال حول ماهية الجدوى من ذلك وهل اعتماد هيئة لتقييم صلاحية العامل ستكون عاملاً مسهلاً في توظيف الشباب أم ستزيد الأمر سوءاً؟ ثم ماهي الأسس التي تم بموجبها تشكيل تلك الهيئة وهل ستكون قادرة على تغطية جميع التخصصات والمجالات؟ وهل سيتم تفريغ أعضاء تلك اللجنة إذا افترضنا إلمامهم بجميع التخصصات المناط بهم تقييم صلاحية أصحابها؟.

ثم ماذا عن مساهمة القطاع الخاص في تأهيل الشباب السعودي وتوفير مقاعد دراسية جامعية لهم، لماذا يتم التركيز على التعليم الجامعي المتوسط دون الجامعي العالي؟ هل تمت مناقشة استبدال شرط السعودة المباشرة في مقابل الحصول على تأشيرات بمنح دراسية جامعية تكون كفيلة بتهيئة الشاب السعودي لدخول سوق العمل طالما اعترف معاليه بأن الثانوية لم تعد كافيه ولا صالحة لتوظيف حاملها.

هل تمت مناقشة معاليه بماحققته المؤسسة العامة للتعليم التقني والمهني، والتنظيم الوطني للتدريب المشترك وصندوق تنمية الموارد البشرية؟ والميزانيات الفلكية التي رصدت لها؟.

هل تم سؤال معاليه عن أسباب فشل مشاريع قصر المهن على السعوديين والبدائل المطروحة من قبل وزارة العمل؟.

هل تم التطرق للآليات التي اقترحتها الوزارة للحد من ظاهرة الهجرة من القرى للمدن الكبرى من أجل الحصول على وظائف؟.

هل تم سؤال معاليه عن تعاون الوزارة مع الصناديق الخيرية الداعمة للتدريب والتأهيل والتوظيف من قبل البنوك المحلية وكبريات الشركات بالمملكة؟.

هل تمت مناقشة معاليه عن حقيقة ممارسة العمالة الوافده لغير ما استقدمت من أجله؟ وتحايل كثير من رجال الأعمال على أنظمة الوزارة من خلال طلب تأشيرات بمهن محظور الاستقدام عليها لإمكانية شغلها بسعوديين؟.

قال جعفر البرمكي: (إذا كان الإكثار أبلغ كان الإيجاز تقصيراً، وإذا كان الإيجاز كافياً كان الإكثار عياً) لا أعتقد أن ست دقائق كافيه للإجابة على ماسبق وإن كنت أتمنى لو تم طرح تلك الأسئلة على معاليه من قبل أعضاء المجلس الموقر، وحسبي قول سيد الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام ( المستشير معان، والمستشار مؤتمن).

وقول بشار:

والله من وراء القصد،،،