الكامل هو الله تعالى، فهو الحي الذي لا يموت، والكمال يتجلى في القرآن الكريم، الذي لا يأتيه الباطل أبداً، أما الإنسان، فصفته البشرية تحول دونه ودون بلوغ ما يتمناه من درجات الكمال، فمهما بلغ به الجد والجهد والحرص، فلن يبلغ الكمال مهما أوتي من قوة مادية، ومهما كانت تطلعاته وآماله، واستشرافاته وتوقعاته المستقبلية.
وفي هذا بعض العزاء لأولئك الذين يقصر جدهم وجهدهم دون بلوغ الكمال والتمام، وفيه تنبيه لأولئك الذين يستعجلون في لوم غيرهم، أو يطلقون أحكاماً جزافاً، معتمدين على الظن، ومصادر وكالة يقولون، وسمعت هؤلاء يذكرون، دون تمحيص وتدقيق لمدلولات أحكامهم وتبعاتها.
وأعجب كل العجب من أولئك الذين ما برحوا يرددون دون وعي وإدراك، مقولات قالها أعداء متربصون منفعلون مفادها أن الإرهابيين هم نتاج المناهج والتعليم، وعندما تبحث أين هؤلاء الإرهابيون؟ يستشهد بزمرة أحداث سبتمبر، أو تلك الفئة من الخوارج الباغين، فأين المنطق السليم في هذه المقولات؟ وأين العقل الراشد الحصيف، الذي يفهم المعطيات ويحللها، ويستنتج منها المدلولات الصحيحة, والأحكام الصائبة؟
تقول العرب: البعرة تدل على البعير، وهذا منطق سليم صحيح، وعندما يقال إن ثمانية عشر ممن شاركوا في أحداث سبتمبر من السعوديين، وإن زمرة من الخوارج الذين بغوا على أهلهم وذويهم، تدل على أن المجتمع السعودي مجتمع ينتج الإرهاب ويغذي الإرهابيين، فهذا منطق لا يستقيم مع مسلمات المنطق السليم الصحيح، لأن المجتمع بعامته وقادته وعلمائه، ينبذ هؤلاء، ويتبرأ من أفعالهم، ولا يؤيدهم، بل يحذر وبشدة من معتقداتهم الضالة، وعندما يقال إن هؤلاء نتاج التعليم، نقول لهم هذا غير صحيح، لأن هؤلاء الذين شاركوا وبغوا لم يكملوا مسيرتهم التعليمية، ثم لماذا لم يطل الإرهاب برأسه الكريه إلا بعد هذه المسيرة الطويلة من تاريخ التعليم التي قاربت الستين عاماً؟ فهذه المناهج خرّجت أجيالاً وأجيالاً، والمجتمع بصفته نتاج هذه المناهج، مسالم متسامح، متكيف مع كل الأجناس وكل الأديان، ولم يعرف في سابق الأزمان ولا حاضرها أن سعودياً عادى أو ضيّق أو حارب أو تعدى على أحد لاعتبارات دينية أو عرقية.
والفقهاء يقولون: الحكم على الشيء فرع عن تصوره، والتصور عملية عقلية تبحث في كل معطيات الشيء قبل إطلاق الحكم عليه، فهل بحث القائلون بأن المناهج تخرج إرهابيين في محتويات المقررات الدراسية كلها؟ وفي عمليات التدريس؟ وأحاطوا بكل فعاليات العملية التعليمية قبل إطلاق حكمهم على المناهج الدراسية؟ أجزم أن كل من قال بمقولة: (مناهج التعليم تخرج إرهابيين) أنه لم يطلع على تلك المناهج، وأن آخر عهده بها عندما كان طالباً، وأنه مجرد صدى يردد مقولة سمعها من مغرض، ولاقت هوى في نفسه فصدقها، وصار يرددها دون وعي لتبعاتها، وما يترتب عليها من إخلال وإرباك لبنية مجتمع تكون على أسس صحيحة من العلم الشرعي، المستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فيا أيها المفترون على المناهج على رسلكم، وتعالوا إلى كلمة سواء، فإن قلتم: المناهج بحاجة إلى تطوير، وإلى تقديم بعض الموضوعات وتأخير أخرى، وإعادة صياغة بعض المضامين وتبسيطها، نقول لكم: نعم، لكن أن تقولوا: إن المناهج تخرج إرهابيين، نقول لكم: لا، وألف لا، فالمناهج بخير، وستظل الحصن الحصين الذي يحافظ على وحدة البلاد، وعلى استقامة أهلها على دين الإسلام الذي ارتضاه الله للناس أجمعين، فكفى شنشنة وتشنيعاً على المناهج، واتهامها بما يعد ذريعة للمتربصين الذين يسعون إلى زعزعة أمن البلاد ووحدتها واتحادها.
ab.moa@hotmail.com