Al Jazirah NewsPaper Thursday  14/02/2008 G Issue 12922
الخميس 07 صفر 1429   العدد  12922
تأثير وسائل الإعلام على الأطفال
حواء القرني- طالبة دراسات عليا بجامعة الملك سعود

لا شك أن كل فرد منا يتأثر بما يصل إليه من معلومات, وكم كبير من هذه المعلومات يأتي من خلال وسائل الإعلام بأنواعها المختلفة, وتستطيع وسائل الإعلام بما لها من أدوات ووسائل مبهرة سواء من حيث الموضوع أو من حيث المؤثرات الصوتية والمرئية أن تؤثر تأثيراً عميقاً في شخصية الفرد.

وهذا التأثير في شخصية الفرد غالباً ما يأخذ شكل التغيير أو التبديل في قيم الفرد ومبادئه وبالتالي سلوكياته. ومن المعروف أن لكل فرد منا استعداداته تجاه إمكانية التغيير من خلال بعض المعلومات الجديدة التي تصل إليه عن طريق الوسائل الإعلامية المنتشرة من حولنا, هذه الاستعدادات هي المجال أو الإطار الأساسي الذي تعمل من خلاله المؤسسات الإعلامية المختلفة.

والدراسات العلمية التي تناولت موضوع تأثير وسائل الإعلام لا تنكر إمكانية الوسيلة الإعلامية للقيام ببعض أنواع التغيير أو التبديل في الأفكار أو الأذواق أو القيم أو الأنماط السلوكية, ولكن هذا التغيير نسبي, أي أن إمكانية التغيير تضيق أو تتسع وفقاً لاستعداد الفرد نحو التغيير. فالفرد الذي يجد أن بعض استعداداته أو ميوله أو قيمه لم تعد قادرة على تلبية حاجاته في الحياة يصبح أكثر ميلاً لتغييرها أو تحويرها, وفى هذه الحالة يكون مستعداً للتغيير, وهنا يبرز دور الوسيلة الإعلامية كعنصر مهم من عناصر التغيير أو التبديل إن لم يكن أهم هذه العناصر.

ويأخذ الأمر مع الأطفال شكلاً أكثر قابلية للتغيير والتبديل لاختلاف طبيعتهم الفسيولوجية والنفسية والعقلية وهم لذلك أكثر استعداداً لقبول كثير من التغيير والتبديل, وبالتالي توجيه استعداداتهم وفقاً لهدف مرسوم, وهذا ما يراه كثير من المتخصصين في علم نفس الطفل ووسائل الإعلام.

وتأكيداً لما سبق فلننظر مثلاً إلى تأثير التليفزيون على انتشار الجريمة وبالتالي على العنف المدرسي وجنوح الأحداث, فهناك حقيقتان لا شك فيهما اليوم, وهما أن التليفزيون المعاصر بات يفيض بمشاهد العنف والجريمة, وأن الصغار في غالبية المجتمعات صارت تلتهم هذه المشاهد بشغف شديد, والواقع أن بعض الأشياء تصبح جزءاً من الحياة اليومية حين ينعدم الإحساس بملاحظتها أو بوجودها. وهكذا صار الأمر مع ما يعرضه التليفزيون من مشاهد العنف والرعب والإجرام والإثارة.

وفى هذا الصدد تشير نتائج بعض الاختبارات النفسية التي تجرى على الأطفال للتعرف على أبعاد شخصياتهم أن الطفل الذي يقضى وقتاً طويلاً في مشاهدة برامج العنف التليفزيوني يميل للعدوانية بنسبة أكبر من سواه ممن لا يشاهدون مثل هذه البرامج.

وهذا شيء طبيعي فالتليفزيون يؤثر على شخصية الطفل, فمشاهدته الدائمة لأحداث الجريمة والعنف والقسوة قد تخدش بمرور الوقت أحاسيسه وتؤثر في قيمه وتجعله يتقبل سلوك العنف والجريمة كجزء من حياته الطبيعية, ومن هنا قد ينمو الطفل محباً للعنف راغباً في القسوة معتقداً أن العنف وسيلة مقبولة في العلاقات الاجتماعية.

والشواهد والأمثلة كثيرة على ما سبق, فعلى سبيل المثال تشير الإحصائيات الأمريكية إلى أن معدل ما يشاهده الطفل الأمريكي بين سن الخامسة والرابعة عشر من عمره يزيد على ثلاثة عشر ألف جريمة قتل يراها على شاشة التليفزيون, وفى دراسة تحليلية تناولت محطة تليفزيونية واحدة، وجد الباحث أن هذه المحطة عرضت (334) جريمة قتل أو الشروع فيه خلال فترة أسبوع واحد, وكان ذلك بمعدل (8) جرائم في الدقيقة الواحدة.

كما نشرت مجلة (المعرفة) السعودية في عددها (39) الصادر في جمادى الآخرة 1419هـ, وفي زاوية (بلا حدود) تحت عنوان (إعدام على الطريقة التليفزيونية) خبراً حول قضية تلميذة حاولت اثنتان من زميلاتها في الصف شنقها, وعندما سُئلت الطفلتان عن سبب فعلتهما هذه قالتا: (نبغى نعمل مثل التليفزيون), وقد أثارت هذه القضية سخطاً كبيراً على نوعية البرامج المليئة بمشاهد العنف والجنس والجريمة, والتي كثيراً ما تعرضها المحطات التليفزيونية المختلفة.

وفى نهاية مقالي أرى أن الطفل يشكل عجينة طيّعة تصنع فيها الوسيلة الإعلامية الكثير, ولكن تأثير هذه الوسيلة يخضع لمجموعة عوامل تدخل في تكوين الطفل وتنشئته الاجتماعية, مثل ذكائه أو مستواه العقلي, ودرجة تأثره بوالديه وأقرانه من جماعة اللعب, ومدى اتصاله بعالم الكبار من حوله وغير ذلك من المتغيرات الأخرى.

وتلك عوامل تسهم أكثر من مؤسسة اجتماعية في تطويرها كالبيت والمدرسة والمجتمع المحلي, والمجتمع الكبير, ولذلك فعلى المسؤولين عن تخطيط برامج الإعلام العمل في إطار مشترك ومن خلال معطيات هذه المؤسسات المختلفة للعمل الجاد على تنمية استعدادات الطفل وتوجيه اختياره نحو المواد الإعلامية النافعة ذات المستوى الحضاري الرفيع.

وخلاصة القول: إن الوسيلة الإعلامية بوجه عام يمكن أن تصبح عنصر بناء وتقوية ودعم إيجابي, وقد تصبح عنصر هدم وخلل وإفساد, وهذا ما لا نرجوه لإعلامنا العربي العريق.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد