Al Jazirah NewsPaper Thursday  14/02/2008 G Issue 12922
الخميس 07 صفر 1429   العدد  12922
وداعاً داعيَ الفضيلة
خالد بن عبدالعزيز الحمادا -ماجستير في علم اللغة التطبيقي- بريدة

العلماء هم رصيد الأمة وكنزها الضخم، هم مصدر حياتها وعزها وشرفها، هم شريانها النابض بكل خير، بهم تحيا، وبهم تسعد وتنهض، كيف لا وهم ورثة الأنبياء الذين لم يورثوا درهماً ولا ديناراً وإنما ورثوا العلم.. كيف لا والملائكة تضع أجنحتها رضا لطالب العلم وكل من في السموات والأرض يستغفر لهم حتى الحيتان في الماء. قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاً لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء، إنَّ الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر) (أخرجه الترمذي).

الأمة المسلمة اليوم تعيش حالة من الضعف ومن التفكك والتشرذم ومن تكالب الأعداء عليها ومآسيها وأحزانها متواصلة وجراحاتها لا تندمل والعلماء يتضاعف جهدهم في الأزمات وفي تخفيف النكبات وتقوية الإيمان وزيادة الثقة وطرد اليأس والإحباط من أن يتسرب إلى قلوب الناس ووجودهم بين ظهراني الأمة مصدر توازن وقوة لها لكن فقدهم ثلمة ومصيبة وطعنة قاسية في خاصرتها وجرح غائر مؤلم في جسدها.. بالأمس القريب فُجعنا برحيل العلماء الأجلاء الشيخ علي الجمعة والشيخ صالح الأطرم - رحمهما الله رحمة واسعة - وما إن تناسينا أحزاننا وكفكفنا دموعنا حتى فُجعنا برحيل وتوديع العالم الرباني الجليل الشيخ بكر أبوزيد بعد معاناة شديدة طويلة مع المرض الذي نسأل الله أن يكون تكفيراً لخطاياه وغسيلاً لذنوبه ورفعةً لدرجاته ونسأل الله الكريم الرحيم أن يسكنه فسيح جناته وأن يسلينا ويحسن عزاءنا ويجبر مصابنا وذويه بفقده وهكذا الدنيا وهذه سنة الحياة وليس لنا إلا التسليم والرضا بقضاء الله وقدره ف {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}

رحل الشيخ بكر أبوزيد.. ترجل العالم المجاهد الصابر بعد أن ملأ الدنيا علماً وفضلاً وخيراً.. تعلَّم وعَمِلَ وتقلَّد في مناصب عديدة فعمل قاضياً في المدينة ومدرساً وخطيباً في المسجد النبوي الشريف ثم وكيلاً لوزارة العدل وعضواً في لجنة الفتوى وهيئة كبار العلماء ثم بعد ذلك أصبح رئيساً للمجمع الفقهي الإسلامي ثم عضواً فاعلاً في رابطة العالم الإسلامي وتقلَّد هذه المناصب بين تاريخ 1387هـ إلى 1406هـ، وله مشاركات كثيرة في المؤتمرات واللجان وفي البحوث العلمية ودرس في المعهد العالي للقضاء في الرياض؛ أما عن طلبه للعلم ورحلته مع الدروس والحلق والكتاب وهي الأهم، فأنا أعتذر عن عرضها وسردها لأن الورق لا يكفي والقلم لا يصمد والمقالة تضيق وتطول فعلم الشيخ غزير وبحره لا تكدره الدلاء ونتاجه كثيف وتقصدت ذكر حياته العملية لأن القارئ الكريم يعرف غزارة وسعة اطلاع الشيخ ويقرأ كتبه لكنه قد يخفى عليه قيادة الشيخ ومشاركاته ودوره الفاعل في الميدان.. وداعاً أيها العالم المؤصل والمفكر المخلص والمطلع المتابع، فبل أيام واريناك الثرى.. غبت عنا لكن شيئاً بقي وإرثاً لم يغب وصوتاً صادحاً بالخير والحق لن يتوقف وأبداً لن ينقطع إنها دروس العلم وحلقات الذكر ومجالس الخير.. إنها الكلمة الطيبة والعبارة الصادقة التي نتذوق جرسها ونستطعم صدقها ونحن نتصفح كتاباً ثراً من مكتبتك المليئة بأصناف العلوم والمؤلفات التي نحتها بيدك وخططتها بقلمك وطُبِعَ منها خمسون كتاباً ونطمع بالمزيد.

ودعتنا يا شيخ وقد كنت مجاهداً وحارساً أميناً ووصياً شريفاً على الفضيلة، فكتابك (حراسة الفضيلة) كلمة طيبة وموعظة بليغة وصرخة مدوية في أذن كل غيور بأن تُحرس الفضيلة وتُنبذ الرذيلة وحتى لا تُخرق السفينة فتغرق في بحور الشر والفساد وهو دعوة صادقة لإشاعة الخير والصلاح ونبذ وإقصاء الظلام والفساد ودحرها لأننا أمة الفضيلة ومطالبون بنشرها والذود عنها بل هي شرط خيريتنا {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}

اللهم ارحم شيخنا رحمةً واسعةً وأسكنه الفردوس الأعلى؛ ولا نقول إلا ما يرضي الرب {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد