ستظل قصة الأمن في المملكة نموذجاً يُحكى على مرّ العصور ورواية بطولات خالدة يتناقلها أبناء هذا الوطن جيلاً بعد جيل، وستبقى ذكرى البطل المؤسس الملك عبدالعزيز - طيّب الله ثراه - مُضيئة في صفحات المجد والفخار بما وفقه الله إليه في إرساء دعائم الأمن وتوطيدها في جنبات هذا الوطن، وسيظل أبناء المملكة هم الجنود الحقيقيون المخلصون في قصة أممنا واستقرارنا مدى الأزمان.
فلقد أعلى المؤسس من مكانة المواطن، وأثبت له دوره في مسيرة الأمن، وحرص على تهيئة المناخ الآمن الذي يأخذ بيده نحو المزيد من الأمن والعطاء، فكان التوطين للبادية، وجاءت النظم الإدارية للدولة الفتية الوليدة، وكانت بدايات التعليم المنظم والاهتمام به، وانطلقت مسيرة التأسيس للتنمية، وغير ذلك من الجهود التي وجَّه الملك المؤسس اهتمامه إليها في إطار نظرته الشمولية إلى الأمن وكيفية الاستقرار والنماء في هذا الوطن.
وكان للمواطن دوره الواضح والراسخ في مفهوم الدولة الناشئة التي جعلت أمن الوطن والمواطن همها الأول؛ ولذلك فقد أكد الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - منذ الأيام الأولى لتأسيس هذا الكيان على دور المواطن في الأمن، ولم يفصل بينه وبين رجل الأمن؛ بل جعله رجل أمن حين قال في إحدى خطبه: (كل فرد من شعبي جندي وشرطي، وأنا أسير وإياهم كفرد واحد، لا أُفضل نفسي عليهم، ولا أتبع في حكمهم غير ما هو صالح لهم).
وهكذا ترسَّخ في أذهان الجميع مكانة المواطن في الأمن، وبذلك المفهوم الواضح أخذت مسيرة الأمن مكانها فوق أرض الوطن، وكان للمواطن دوره الثابت في هذه المسيرة.
وإذا كانت قياداتنا من أبناء الملك المؤسس يؤكدون دائماً على دور المواطن في الأمن سائرين على نهج الباني الموحد - يرحمه الله - فإن ذلك يلقي بالمسؤولية علينا جميعاً نحن أبناء المملكة أن نكون على مستوى المسؤولية التي نفخر بها اعتزازاً بوطننا وأداءً لواجبات المواطنة وشرفها وأمانة تحملها.
ولقد أثبت المواطنون عبر تاريخ المملكة المشرق قدرتهم على تحمل هذا الشرف في خضم الصعاب التي أرادها أعداء الأمن، وفي ظلمة الجهل والأحقاد على مسيرة الوطن، فكانت أيدي أبناء الوطن وقلوبهم وعقولهم عوناً وسنداً لرجال الأمن الأوفياء المخلصين.غير أن قولنا أن المواطن هو رجل أمن يجب أن نتعامل معه وفق مفهوم شامل ونظرة كليه للأمن، نعتنقها ونتمسك بها ثم نجعلها سلوكاً في تصرفاتنا وأفعالنا لنكون رجال أمن لهذا الوطن. فإذا كان الأمن يتعامل مع الجريمة قبل وقوعها وبعد حدوثها، فيجب على المواطن أن يكون كذلك أيضاً فيتساءل ممن تقع الجريمة؟ ولماذا؟ وما مسبباتها وما المناخ المهيئ لها؟ وكيف يمكن المشاركة في منعها؟ وكيف يمكنه أيضاً الإسهام في مقاومتها؟ ثم ما الدور الذي يمكن أن يؤديه ليقف مع رجال أمن الوطن لمكافحة الجريمة بل والإرشاد عن المجرمين؟
إنّ مثل تلك الأسئلة وغيرها كثير تتمحور حول سلوك المواطن تجاه أمن وطنه. وإذا أردنا أن نصل إلى دائرة أصغر وأدق تحديداً فإننا نكون أمام واجبات المواطن نحو إرساء أمن الوطن والمحافظة عليه.
وإذا رغب مواطن بينه وبين نفسه أن يجد إجابات محددة أو يصل إلى سلوكيات واضحة في هذا المجال فإنه لن يجد كبير عناء أن يقول إن الالتزام الذاتي بالأنظمة واللوائح هو الطريق الأيسر في هذا السلوك. فما من لائحة وضعت أو نظام تمت صياغته وإقراره لأجل هذا الوطن إلا وهو يستهدف صالح الوطن وأبنائه؛ ولذلك فإن الخروج عن ذلك هو خروج عن المستهدف الأمني المتمثل في الانضباط والالتزام وجادة الطريق المستقيم. وما الجريمة في عالمنا إلا خروج عن الصواب وإضرار بالصالح العام للوطن ومَن يعيشون فوق أرضه.
وحتى لا نذهب بعيداً فلنأخذ قواعد المرور مثالاً، أليس مَن يحترمها ويحرص على اتباعها يحافظ بعون الله على سلامته وسلامة غيره، وفي المقابل مَن يكسرها ويتجاوزها يكون سبباً في إيذاء نفسه وإيقاع الضرر بغيره؟ إن أبسط قواعد الأمن والسلامة تطالبنا بالالتزام الذاتي بهذه القواعد التي ما جاءت إلا لتنظم سيرنا على الطرقات، فإذا ما تجاوزناها أو تحايلنا على كسرها كانت النتائج الوخيمة التي لا تخفى مخاطرها ونتائجها المدمرة على أحد.
فما بالنا إذن بقضايا وجرائم المخدرات والإرهاب وغيرها من مفسدات الأمن ومنغصات الاستقرار؟
إنَّ سلوك المواطن في الإرشاد عن الجرائم والتعاون مع رجال الأمن لدرء الأخطار والمفاسد عن هذا الوطن يجب أن ينطلق من منطلقات عقدية تستند إلى المحافظة على النفس والعقل والعرض ومصلحة المسلمين، وإلى الالتزام بكل ما فيه خير البشرية والتقيد بما وضعه الوطن من أنظمة تضبط حركة الحياة وتنظمها لما فيه المصلحة العامة للناس.
ثم تنطلق سلوكيات المواطن أيضاً من ثوابت ورواسخ وطنية وفاءً لهذا الوطن الذي نشأ على أرضه المباركة واستظل بسمائه ونهل من خيراته التي أفاء الله بها عليه، وقامت بينه وبين قياداته أوثق علاقات عرفها عالمنا المعاصر بين راعٍ ورعيته.إنَّ المواطن السعودي مطالب بأن يكون رجل أمن حقيقياً بمزيد من سلوك القدوة التي يحرص على توفيرها لغيره من بني الناس بحكم انتمائه لوطن شرفه الله بخدمة الحرمين وبكونه مهبط الوحي على خاتم الرسل عليه الصلاة والسلام وقبلة للمسلمين أينما كانوا على سطح الأرض؛ حتى ينعكس سلوك المواطن على كافة جنبات حياته أمناً وأماناً وطمأنينة وسكينةً واستقراراً؛ لتستمر مسيرة الأمن والعطاء موفقة بعون الله.