الجوف - محمد المسعود - خالد المسلم - تصوير - سلمان الضويحي
بحضور سعادة وكيل إمارة منطقة الجوف الأستاذ أحمد بن عبدالله آل الشيخ نظمت مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية بمنطقة الجوف مساء الثلاثاء بقاعة العرض والمحاضرات بدار الجوف للعلوم ندوة عن (صحافة المناطق - الصحافة الإقليمية) شارك فيها كل من رئيس تحرير صحيفة الجزيرة الأستاذ خالد بن حمد المالك ورئيس مؤسسة الإسراء للخدمات الإعلامية الدكتور هاشم عبده هاشم ورئيس تحرير صحيفة الحياة الأستاذ جميل الذيابي، وأدار الندوة الأستاذ نواف بن ذويبان الراشد.
وقد أكد الأستاذ خالد المالك في ورقة العمل التي ألقاها في بداية الندوة على أن الحديث ومنذ زمن طويل والى اليوم يتكرر عن الصحافة السعودية ولن يتوقف مشيرا إلى أن هذا الحديث يتراوح بين من يطالب بدمج الصحف اليومية مع بعضها ضمن اقتراحات كثيرة تؤدي في النهاية بحسب وجهة نظر قائلها إلى حجب الصحف الضعيفة من حيث المستوى عن الصدور وتقوية الصحف الأكثر نجاحا.
وقال المالك إن هناك من يتبنى ضرورة فتح المجال أمام الراغبين بإصدار صحف جديدة وعدم اقتصار الإصدارات الصحفية على ما هو قائم حالياً.
وشدد على أن هذا النوع من وجهات النظر يصاحبها عادة حديث عن الصحافة المتخصصة وصحافة الأقاليم ضمن الخوف الذي يؤرق الجميع من أن تبقى صحافتنا كما هي دون إضافة أو تجديد أو إبداع بسبب ما يقال من انه تهميش لأي مقترح يمكن لو تمت مناقشته بشيء من الحرية والموضوعية استخلاص بعض الجوانب الايجابية المفيدة لمستقبل الصحافة السعودية.
وأشار المالك في ورقة العمل إلى وجهة النظر التي ينادي أصحابها بتحويل المؤسسات الصحافية إلى شركات مساهمة يتم تداول أسهمها والمشاركة فيها من قبل الجميع بما يمكنها وفق رؤية هؤلاء من تبني الإصدارات المتخصصة ومن ضمنها الصحافة الإقليمية والتوسع في إصدار صحف أخرى جديدة غير إقليمية.
واعتبر المالك أن تبني مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية إحياء فكرة الصحافة الإقليمية ووضعها تحت المجهر ليعبر المشاركون في هذه الندوة بوضوح عن وجهات نظرهم بفكرة لم يسبق أن تمت تجربتها في المملكة على الأقل فهي كمن يوقد نار الحماس المقبول والمطلوب لفكرة قد يبدو لمناقشتها شيء من الجاذبية لمن هو مع أو ضد هذه الفكرة.
وبين المالك أن مؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية وفقت في اختيار العنوان للندوة عن فكرة جذابة ومشوقة وتتمتع بتباين في وجهات النظر بين مؤيد ومعارض لها بصرف النظر عن أن هناك إمكانية لتحقيقها والموافقة عليها سواء الآن أو في المستقبل وسواء أكان هناك مصلحة كبيرة أو محدودة في تنفيذها أو أنه لا جدوى ولا فائدة ترجى منها.
وأضاف قائلا: ليست مصادفة - كما أتصور - أن تحتل صحافة الأقاليم اهتمام مؤسسة عبدالرحمن السديري فتعطيها ضمن اهتماماتها الأخرى مثل هذه الفرصة للحوار والمناقشة والاستيضاح لما خفي على الناس عنها لان اللجوء إلى طاولة النقاش هو الأمضى والأسرع للوصول إلى ما يفكر فيه الجميع بهدف اخذ القرار الصحيح وغير المتسرع وصولا إلى تحقيق ما يسعى إليه كل منا ضمن تمنيات كثيرة بعضها تحقق وبعضها الآخر ينتظر دوره ومن ثم تحقيقه.
وأوضح أن للصحافة الإقليمية جوانب سلبية وأخرى ايجابية بعيداً عن عواطفنا اللصيقة بكل ما يرتبط بمحافظة أو قرية كل منا وما يعتقده بعضنا بأن صحافة الأقاليم تنم عن الولاء والإخلاص لهذه الأقاليم من قبل أبنائها مؤكدا أن في وجهيها السلبي والايجابي ما يتطلب منا أن نتوقف عندهما طويلا بالتأمل وقراءة المستقبل لهذا النوع من الإصدارات الصحفية دون أي ضغوط عاطفية.
وأبدى المالك عدم قناعته بمثل هذا النوع من الإصدارات وان وجدت بعض الايجابيات مبديا خوفه من انزلاقها عن أهدافها المرسومة وبعدها عن الصورة الجميلة في أذهاننا قبل صدورها وان تكرس أمورا لا تخدم الرقعة التي تصدر عنه فضلا عن أن يكون هذا النوع من الصحافة الإقليمية غير قادر على تقديم الخدمة الصحفية المناسبة التي نتطلع إليها.
وقال إن المتطلبات المالية والتجهيزات الفنية والطباعية التي ينبغي توفيرها لتمكين مثل هذه الصحافة من الصدور ستكون عالية ومكلفة مؤكدا أن النفقات بعد صدور الصحيفة ستكون اكبر وأكثر من أن يغطيها التوزيع والإعلان المفترض أن تحصل عليها مما سيعيق انتشارها وتدوير استثمارات إصدارها ويهدد فرصتها في الاستمرار بالصدور إن وجد من يمول مثل هذا المشروع.
وتساءل في ورقته عن حجم المساحات الإعلانية في صحافة يفترض أن تركز على أخبار إقليمها, هل ستكون صحافة جذب للإعلانات وان بإمكانها منافسة صحافة كل الأقاليم عليها بحيث تغطي مصاريفها وتحقق هامش ربح معقول؟
واستطرد المالك قائلاً إن القوى البشرية من صحفيين وفنيين لن تستطيع مدن صغيرة وبعدد محدود من السكان تلبية احتياجات صحافة الأقاليم من أبنائها وبخاصة إذا علمنا أن الصحف اليومية في مدننا الرئيسية تعاني الآن من نقص في الكوادر الصحفية رغم مرور قرابة نصف قرن على صدور نظام المؤسسات الصحفية مشدداً على أهمية هذا الجانب وعدم عزله أو إقصائه عند مناقشة موضوع صحافة الأقاليم أو عند التفكير في إيجاد نافذة نظامية للدخول منها إلى هذه التجربة الصحفية الجديدة في بلادنا.
وقال إن أكثر ما يخيفني في الإصدارات الإقليمية أن تكرس الإقليمية وتتبنى ولو عن غير قصد ما يؤدي إلى ذلك في ظل التوسع المتوقع في المنافسة بين مدن المملكة على إصدار صحف تنطق باسمها وتلبس عباءة من يعتقد أن ما يكتب عنها ولها لا يعدو أن يكون إنصافا لتاريخها وتذكيرا بما يستحق أن يمجد وان يذكر بالخير من هذا التاريخ.
وذكر المالك ما آلت إليه بعض الاجتهادات الإعلامية وغير الإعلامية مما يصنف على انه خدمة للثقافة والموروث واستذكار التاريخ، فإذا بنا نصدم بممارسات أعادتنا إلى نبش الماضي البغيض وإعادة ما كان يجري منذ سنوات بعيدة من طروحات اعتقد كل منا بأنها قد انتهت ودفنت ولن تعود من جديد ما يتطلب معه الحذر الشديد من أن نعيد تلك الممارسات من خلال مظلة الصحافة الإقليمية إلى محافظاتنا ومدننا.
وأبرز المالك الفوائد حين يكون هناك إصدارات في بعض محافظات المملكة ومدنها في مقابل السلبيات التي تحدث عنها وبينها التواصل بين المواطنين من خلال الأخبار والمعلومات التي سوف تنشر بكثافة عن المحافظة وأهلها كما أن تركيزا مفترضا على جوانب النقص والقصور في خدمات المحافظة ومؤسساتها الحكومية ربما ساعد في تحسين الخدمات والتعرف على وجهات نظر المواطنين وقياس الرأي العام لدى من يقوم بإدارة أو الإشراف على هذه الدائرة الحكومية أو تلك.
وحول ايجابيات صحافة الأقاليم قال أيضا إنها تمكن الشباب من التدريب في حقل صحفي جاذب بحيث تكتشف المواهب وتظهر الكفاءات ويتبين للناس أن هناك قدرات صحفية جيدة ومفيدة بين شباب المحافظة التي تصدر عنها الصحيفة الإقليمية لا يمكن الوصول إلى معلومات عن هؤلاء لولا هذا النوع من الصحافة التي بفضلها أمكن لنا أن نتعرف عليهم.
وجدد المالك تأكيده بأن عمل الشباب في هذا النوع من الصحافة سيكون محطة انتقال إلى الصحافة غير الإقليمية حيث سيكون اكتسابهم للتجربة والخبرة والتدريب المناسب فيها سببا مشجعا في تهافت الصحف غير الإقليمية على المتميزين منهم وإغرائهم للعمل فيها.
واعتبر المالك أن النقاش والحوار في هذه الندوة سوف يفضي إلى مزيد من وجهات النظر التي تضيف إلى صحافة الأقاليم ما يساعد المتحمسين لها على بلورة أفكار لا يعيق إصدارها بعض التخوفات اعتمادا على ما يحدث الآن وإنما يعزز وجاهة رأي من ينادي بها من خلال التوصل إلى أفكار بناءة تستند إليها وتحميها من الفشل فيما لو كان هناك نية حقيقية لتشجيع اصدارها.
ونبه إلى أن الصحافة الورقية يلف مستقبلها شيء كثير من الغموض في ظل التوجه القوي نحو الصحافة الإلكترونية بحسب ما تتحدث عنه بعض الدراسات مشيرا في هذا السياق إلى الدراسات التي تتحدث عن إحلال الصحافة الالكترونية محل الصحافة الورقية مستقبلا وان توظيف الأموال لاستثمارها في مشروعات الصحافة الإقليمية الورقية دون أن يضمن استمرارها في الصدور هو إهدار لهذا المال الذي ينبغي استثماره إعلاميا فيما هو أفضل.
وناشد المالك في ختام ورقته المهتمين بفكرة الصحافة الإقليمية أن يخضعوها لدراسات علمية تسبق أي نية أو تفكير للإقدام على تنفيذها فربما تأكد لهم سلامة رأينا وبالتالي تهدئة الحماس لدى من كان يخالفنا في وجهة النظر حول تحفظاتنا وقناعتنا بعدم جدوى إصدار صحافة إقليمية وفقاً لرؤية شخصية واجتهاد قابل للنقاش.
كما قدّم الدكتور هاشم عبده هاشم ورقة عمل في الندوة أشار فيها إلى أن الصحافة السعودية اليومية الناطقة باللغة العربية لم تستطع تجاوز نطاق الإقليم أو المنطقة التي تصدر فيها بالرغم من تطور مضامينها وكذلك بالرغم من تغطيتها للأحداث والتطورات الإقليمية والدولية ومعايشتها لهموم الإنسان العربي والإسلامي وتناولها لقضايا العالم أيضاً.
ويعزو الدكتور هاشم ذلك إلى مشاكل النقل الجوي بين مدن المملكة ومحدودية الإمكانات الطباعية خارج نطاق المناطق الرئيسية وضعف الكوادر البشرية مهنياً وضعف التغطية الإعلامية للمناطق الأخرى واستفحال الأمية وإعراض الشباب عن القراءة وصعوبة المواصلات الداخلية وضعف القدرة الشرائية لدى معظم القراء.
وأكّد أن الصحف اليومية وإن وصلت إلى معظم المناطق إلا أنها لا تستطيع أن تقدم تغطيات حديثة كافية بحكم توقف عملية الإنتاج والمتابعة للمادة الصحفية عند الساعة الرابعة من اليوم السابق للصدور.
وقال إن الصحف اليومية لا تستطيع أن تجتذب قراء بأعداد كبيرة في المناطق لضعف مكاتبها وكوادرها البشرية فضلاً عن عدم توفر مطابع فيها بحيث تتمكن الصحف الصادرة في المدن الرئيسية من تخصيص طبعات خاصة لتلك المناطق.
واعتبر أن الصحف التي تمتلك إمكانات مادية تستطيع زيادة معدلات التوزيع إذا كانت معدلات النمو بطيئة وغير معبرة عن المستوى التعليمي والثقافي والاقتصادي الذي تعيشه مختلف المناطق.
واستعرض الدكتور هاشم النجاحات الكبيرة التي تحققها بعض الصحف في مقار توزيعها في المدن الرئيسية والمناطق الأخرى مستشهداً بذلك بما يحدث في الصحافة العالمية.
وطرح في نهاية ورقة عمله عدداً من المقترحات لتطوير الوضع المهني للصحافة السعودية.
كما قدّم الأستاذ جميل الذيابي ورقة عمل في الندوة ركز فيها على أهمية الصحافة الإقليمية ومساهمتها الفاعلة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمجتمعات المحلية.
وأكّد أن إنسان المجتمع المحلي البعيد عن مجريات الأمور يحتاج إلى هذا النوع من الصحافة لربطه بواقعه وواقع بلده وما يحدث فيه للمشاركة الفاعلة والمساهمة الجادة بالرأي والعمل بغية التطور.
وقال الذيابي إن للصحافة الإقليمية تاريخا طويلا وانجازات كبيرة عالمياً حيث تعتبر في العالم المتقدم من ضروريات الحياة مشيراً إلى أن أول صحيفة صدرت في أمريكا هي صحيفة إقليمية تسمى (الحوادث العامة في مدينة بوسطن عام 1690م) وبين أن العصر الحديث شهد انتشار الصحافة الإقليمية (غير المركزية) في كل أقطار العالم المتقدم خاصة أمريكا وألمانيا وايطاليا.
وأضاف قائلاً ان الصحيفة الإقليمية تعتبر في عداد مرافق الإقليم العام وإن أغلب الصحف الإقليمية في العالم أكثر التصاقاً ومعرفةً بالإقليم وتصدر بغرض الخدمة العامة للإقليم.
وقد ركزت المداخلات التي حصلت بين المشاركين والحضور في نهاية الندوة على ضرورة إعطاء مساحة اكبر لتغطية الفعاليات والنشاطات التي تقام في منطقة الجوف في ظل عدم وجود صحيفة تصدر بالمنطقة وتهتم بشؤونها, ودعم وصول صوت المواطن للمسؤولين وتلمس احتياجاته ومناقشة مشاكله على اعتبار أن الصحافة هي الناقل لهذه الاحتياجات، بالإضافة إلى دعم توجه إشراك المناطق في طبعات خاصة تهتم بما يتناسب والأنشطة التي تقام فيها.