بدعوة رسمية من المملكة زارت في الفترة الواقعة بين 4- 14-2-2008 مقررة الأمم المتحدة لمواجه العنف ضد المرأة في العالم الدكتورة يكن أتاتورك وقد غطت العديد من الصحف أخبار الزيارة من حيث أهدافها ومن حيث برنامج الزيارة الذي شمل زيارة عدة جهات حكومية وعدد من المؤسسات العاملة في
والتنموي بما فيها المكتب الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي حيث تنقلت الضيفة ووفدها المرافق في وقت قياسي بين عدة مناطق امتدت من الرياض إلى جدة والدمام مرورا بمنطقة القصيم، كما عنيت عدد من صحفنا الناطقة باللغة العربية وباللغة الإنجليزية بتناول انطباعات الوفد الزائر وعلى الأخص مقررته/ د. يكن عن الموقف الأهلي والرسمي من قضية العنف ضد النساء، وحجم وجود مثل هذه الظاهرة بالمجتمع السعودي وكيفية معالجته اجتماعيا وقانونيا من خلال بعض اللقاءات معها.
وإذا كنت لست بحاجة لذكر ما جاء في الصحف عن هذه الزيارة حيث يمكن للمهتم الرجوع إليها في مواقع الصحف لمن لم يطلع عليها بعد ويرغب في ذلك فإن هدفي من طرح موضوع الزيارة في هذا المقال هو الحديث عن الزيارة من منظور سيسيولوجي اجتماعي خاصة وقد التقيت وعدد من الزميلات من ذوات الاختصاص أو الاهتمام أو الاثنين معا بقضية العنف ضد المرأة/ موضوع الزيارة بالدكتورة يكن أتاتورك وقمنا بالتحاور معها حول الموضوع وطرح العديد من الأسئلة والأسئلة المقارنة عربيا ودوليا المتعلقة بمقاومة العنف ضد المرأة، مما قد يجعل ما سأقوم بتناوله من منظور سيسيولوجي إضافة إلى مضامين التناول الصحفي الذي تم.
وأوجز ما أريد قوله بهذا الصدد في النقاط التالية:
1- يمكن أن تقرأ الدعوة الرسمية لاستضافة وفد دولي مقرر لمراجعة الموقف الاجتماعي والقانوني من العنف ضد المرأة كمؤشر ذي دلالة إيجابية ليس في حق المرأة فقط بل في حق المجتمع وفي علاقة الدولة بالمجتمع المحلي من ناحية وبالمجتمع الدولي من ناحية أخرى على وجود توجه حكومي للنحو باتجاه الشفافية والعلنية في معالجة بعض قضايا الواقع الاجتماعي والذي نطمح أن يعم. وهذا الموقف بحد ذاته يستدعي التثمين والتشجيع حيث يستشف منه وجود بذرة لحس نقدي رسمي يبدأ بالاعتراف بالإشكاليات تمهيدا لحلها بشراكة اجتماعية. كما أن في هذا تخلياً عن تلك المواقف الاعتدادية المسرفة من خلال الإقرار بأننا لسنا مجتمع ملائكة بل مجتمع من المجتمعات البشرية في عرض وطول الكرة الأرضية التي لها نصيبها من القضايا العالقة التي لا تحتاج إلى التستر عليها بل تحتاج تعريض أعراضها وتقرحاتها للشمس والهواء والبحث فيها لإيجاد حلول إبداعية جذرية وليس مجرد حلول تطمينية. ولخلق موقع مؤثر لوطننا في الشراكة الدولية لمعالجة الإشكاليات ذات الطبيعة العالمية.
2- إن السيدة الضيفة مقررة الأمم المتحدة لمواجهة العنف ضد المرأة الدكتورة يكن ارتورك برفسورة في علم الاجتماع ومتخصصة في دراسات الشرق الأوسط بجامعة أنقرة للعلوم الإنسانية والتكنولوجيا وليست مجرد موظفة في جهة دولية بل أن عملها في مؤسسة الأمم المتحدة عمل طوعي وقد رشحها له خبرتها الطويلة والتزامها الحياتي بقضايا العدل وحقوق الإنسان من خلال عملها الأكاديمي والبحثي كمتخصصة في حقل الدراسات الاجتماعية ومن خلال خبرتها في عملها الحالي الذي يتيح لها التجوال على عدد كبير من المجتمعات النامية والمتقدمة لمعالجة موضوع العنف والمرأة باعتبار أن العنف ضد المرأة مع الأسف لا يزال يمثل ظاهرة عالمية كما أن الجهود لحسن الحظ بالمقابل لمواجهته والقضاء عليه تنحو هي الأخرى نحو التزام أخلاقي وقانوني واجتماعي يعم المجتمع الدولي. وهذا يعني من منظور سيسيولوجي أننا أمام باحثة تملك المعرفة العلمية مقرونة بمعرفة ثقافة المنطقة وواقعها الاجتماعي. ولهذا فقد أظهرت د. يكن في الحديث معها تثمينا لاستضافة المملكة للوفد بل أنها اعتبرتها مؤشرا إصلاحيا. ولهذا أيضا فإن من المجدي أن تأخذ الآراء التي توصلت لها فيما يتعلق بملاحظاتها حول ظاهرة العنف ضد المرأة بالمجتمع السعودي مأخذا جديا يوضع في ميزان الإجراءات الرسمية والأهلية القائمة والمزمعة لتحديد حجم الظاهرة والعمل على مواجهتها اجتماعيا وقانونيا مواجهة تعامل المرأة كما تعامل الرجل على أساس من ضمانات ملزمة لتحقق العدل والتمتع بالكرامة الإنسانية.
وإذا أضفنا لذلك أن الدكتورة يكن سبق وعملت بالمملكة لعدة سنوات في مطلع الثمانينات كأستاذ لعلم الاجتماع بقسم الدراسات الاجتماعية بجامعة الملك سعود وضعنا أيدينا على مصدر آخر من مصادر خبرتها بالواقع وقرب ما تتوصل له من رؤية من مصاب طبيعة هذا الواقع. ويبدو لي أن هذه المعلومة ليست هامشية في الموضوع لأنه يجري اليوم في ضوء ما قدمه منظور النقد الاستشراقي تعديل تلك الصيغة القديمة التي لم تكن ترى الخبير خبيرا إلا إذا كان آتيا من خارج نطاق المنطقة بمعرفة غربية محضة.
ولقد كنت وعدد من الزميلات بقسم الدراسات الاجتماعية بجامعة الملك سعود من المحظوظات اللواتي شاركن في تأسيس القسم برئاسة الدكتورة يكن في تلك المرحلة المبكرة. وقد طورنا خبرة مشتركة في حينه بالواقع وآمال تطويره.
3- من منظور سيسيولوجي أيضا أرى أن مثل هذه الزيارات الدولية فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية خاصة تلك المرتبطة بالشأن النسوي تحتاج لترتيب مسبق بالتنسيق مع الشخصيات والمؤسسات الاجتماعية المعنية بالموضوع مباشرة وبجدول عمل واضح ورؤية لا تنشغل بتجميل الواقع لأننا بقدر ما نكون من الشفافية بقدر ما يتضح أن ليس هناك ما نخفيه وبقدر ما تتعزز مصداقيتنا مجتمعا ودولة في إيجاد شراكة عالمية تعمل من اجل تحقيق السلام والعدل على الأرض بإضافة نوعية من موقعنا الحضاري والإنساني ضمن مجموعة العمل الدولي الجمعي. فلا يصح كما حدث أن تأتي ضيفة للمملكة وتقوم بزيارة لجامعة مثل جامعة الملك سعود فيكتفى في اللقاء معها بلقاء مجاملة عابر يكاد يقتصر على إدارة مركز الدراسات الجامعية للبنات دون أن يتاح لقاء مع القسم الذي شاركت في تأسيسه كقسم الدراسات الاجتماعية وسواه من الأقسام المعنية بالواقع علميا وميدانيا ودون أن تتاح الفرصة للتحاور معها والوفد حوارا يصب في صلب موضوع الزيارة باعتبار أن قسما أكاديميا مثل قسم الدراسات الاجتماعية له مشاركات بحثية من واقع المجتمع السعودي في تقدير حجم ظاهرة مثل ظاهرة العنف وسبل التصدي لها التي تتبناها الدولة. ولو أتيح مثل ذلك لكان مصدرا من مصادر جامعة الملك سعود التي تحاول في اللحظة الحالية أن تحقق حضورا علميا متميزا في المشهد العالمي للمؤسسات الجامعية والمؤسسات ذات العلاقة. ونفس الشيء يقال عما كان من ضرورة اللقاء بالمؤسسة الوليدة التي شجع المبادرة إليها خادم الحرمين الشريفين وهي جمعية الأمان الأسري.
وأخيراً أختم ببعض ما قالته د. يكن في انطباعها العام للزيارة مما أنقله بأمانة من أن المملكة قد أمسكت بخيط الضوء للإصلاح وتعزيز موقع ومشاركة المرأة ومثل هذا العمل يحتاج لضمان تشريعية وقانونية تكسب العمل مصداقية وفعالية على ارض الواقع كما تحتاج لتوسيع دائرة الشراكة بين الدولة والمجتمع. هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.