Al Jazirah NewsPaper Thursday  14/02/2008 G Issue 12922
الخميس 07 صفر 1429   العدد  12922
رحمة الله بالمعنى والقصد
د. عبدالمحسن بن عبدالله التويجري

من الرحمة الواسعة والعظيمة الفاعلة أن قدّر الله برحمته وغفرانه أمراً معانيه وأبعاده من الرحمة والغفران بأشمل معانيها، وذلك حين أقدم آدم (عليه السلام وحواء على معصية أمره عز وجل، وهما في الجنة حينما وسوس إبليس الرجيم بما يعلمه الجميع، وقضت الرحمة الحكيمة الواسعة والمديدة أن يغفر لهما بعين الرأفة فأوكل لهما تكليفاً نافذاً أن اهبطوا إلى الأرض، واعملوا على عمارها، والأرض مليئة بخيرات ومتع وجَمَال نعايش نعيمه في كل جادة ومنحى على الرغم من سيطرة الشر على نفوس البعض، ولكن العمل على عمارها تكريم بمسؤولية وتشريف للإنسان في مضمار الواجب والقدرة.

وتتابع الرحمة العظيمة بالرعاية الأعظم حيث السنن والقوانين التي تكفل للإنسان فطرته، وجمال حياته، والثواب في آخرته، وذلك من خلال الأديان السماوية والرسل والأنبياء حيث شاء وقدر.

وجاءت الرسالة الخاتمة جامعة شاملة على يد رسول مختار أدبه ربه فأحسن تأديبه، وبيده نور وهدى الوحي المنزل، وهو منهاج الإنسان السوي، ودستور لحياته وآخرته، فما اتبعه أحد من الناس إلا وأخذت به الرحمة إلى رحمة أوسع ليعود من حيث خرج آدم عليه السلام، فجنة الخلد بما نعلم عنها وما نجهل. وهذا أعظم مضمون لهذه الرحمة.

وعلى الأرض هيّأ للإنسان السعي مهما أرهقه فهو تكريم له من حيث الموجود والقدرة على التوجه له، والتعامل مع كنوزه وخيراته وفي هذا أنجع الوسائل التي تخفف على الإنسان العناء في حياته فينصرف إلى أهداف تحقق ذاته، وتؤكد قدرته بالعمل وبخير مسعى وسيلته الحلال نحو الحلال المطلق التي أباحها العزيز القدير بل حث عليها وأمر بها، وقبل هذا أراد سبحانه أن يعلم الإنسان الوسيلة التي تحقق نجاحه وتفعل قدرته حين أنزل على رسوله أول ما أنزل ما يحث على العلم كأساس لابد منه كمفتاح لفهم الكون والحياة والتعامل معها حيث قال في الآية الكريمة: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} {خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ}. صدق الله العظيم.

وتداعت ولا تزال أسباب الرحمة الواسعة، والرأفة بالإنسان التي يهتدي بها في حياته وآخرته، وذلك من خلال كل ما جاء به القرآن الكريم فبيان للحرام لأنه بالإنسان ضار، وحلال في أصله خير ونفع لهذا الإنسان، والكثير الذي يفسر ويهدي إلى حياة مستقرة جميلة، وآخرة أجمل، وإن تضمن القرآن الكريم محاذير عن الخطأ وعقابه فإنه تضمن ما يؤكد الرحمة ويبشر بها: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }صدق الله العظيم.

ومن رحمة الله أن وجّه الإنسان إلى ما يقيه من الخسران سواء تعلق الأمر بحياته أو آخرته: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ }(3) صدق الله العظيم.

ومن الرحمة أن وهب جزءاً من رحمته حساً وممارسة لبني الإنسان، فهي من مكوناته، حيث تحجبه أحاسيس الرحمة فتردع طغيانه وتجبره.

ومن دواعي الرحمة الربانية التوبة الصادقة وقبولها بإذنه عز وجل والرحمة الربانية لا تبرر المعصية أياً كان الدافع فهي وسيلة للرجاء من خلال الإيمان والطاعة وحسن الظن بالله، حيث وسائلها ميسرة وهي لصالح الإنسان في حياته وآخرته.

قال صلى الله عليه وسلم: أن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6383 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد