ما يحدث في العراق -اليوم- لا وجود لمثله في أي بلد آخر في العالم، البلد يئن تحت وطأة (الاستصلاح)، والأمريكان وأصدقاؤهم يغوصون في العسل حتى الركبتين، وينكرون وجود أي حل مزعوم، بل يقولون إن الأرض ممهدة جداً بدليل أن الدماء تسيل من بغداد إلى الرمادي وبالعكس دون وجود حواجز طبيعية، أما أحدث المشروعات العملاقة التي يزمع إقامتها هناك فتنقسم إلى نوعين، الأول مشروعات عاجلة والثانية إستراتيجية.
بالنسبة للمشروعات العاجلة فمن أبرزها إنشاء عدة مقاصل ومشانق (من ذهب) لمحاكمة العراقيين في عقر دارهم وبأيدي بني جلدتهم، بعضها أيضاً لمحاكمة الذين يصدرون الأحكام الحالية بمجرد الانتهاء من الحكم على آخر متهم، في آخر قضية، أما المشروعات العملاقة الإستراتيجية فإن الاستعمار فضل أن تبقى سراً، لكن مصدر مقرب فضل عدم ذكر لون ربطة العنق التي يرتديها يقول إنها تتعلق بإنشاء مسارح كبيرة يستغرق إنجازها عشرات السنين وذلك استعداداً للاحتفال بمرور خمسين سنة على بقاء القوات الأمريكية وهي تحرر الشعب العراقي من كل (ما تبقى له) حسياً ومعنوياً وثقافياً وحضارياً، وأيضاً من قواه العقلية والبدنية.
وسيتزامن افتتاح تلك المسارح مع الكشف عن آلاف المقابر الجماعية التي تكون قد مرت عليها الفترة الزمنية القانونية التي يسمح بعدها بالإفصاح عن أماكن تلك المقابر وعدد الجثث التي تحتويها، وإمكانية نسبتها إلى أي نظام حتى لو ارتكبت مجازرها بعد ذلك النظام بعدة عقود المهم أن تظل (شماعة النظام البائد) جاهزة لكي تعلق عليها كل الجرائم، أما المنطقة الخضراء فسيتغير اسمها بمرور الزمن، لتصبح (الحمراء) خصوصاً بعد أن أصبحت مساراً لأنهار من الدماء بكرة وأصيلا. المقابر الجماعية التي يراد لها التوسع والتنمية والتطوير ليس الهدف منها قتل الناس أو إخفاء الجثث لمدد طويلة، إنما الغرض أن تكون هناك ثروات نفطية متصل، وغير منقطعة، طيلة بقاء الاستعمار في العراق، حتى لو اضطرت القوات الأجنبية أن تبقى مائة عام من أجل ترسيخ الديمقراطية، وإرساء حقوق الإنسان، ففي تلك الحالات ستكون المقابر الجماعية قد تحللت، وأصبحت مادة كيميائية قابلة لأن تصبح بترولاً قد يفيد في زيادة المخزون النفطي لعراق المستقبل. ولا تتوقف الإنجازات المرتقبة للقوات الأجنبية في العراق عند ذلك الحد، بل هناك مشروعات بنية تحتية مذهلة، ومشروعات مائية لم يسبق لها مثيل، حيث رصدت مليارات الدولارات من أجل إقامة نهر صناعي، لتوفير المياه التي تكفي لري مساحات شاسعة من الأرض ستزرع وروداً قد تحتاج إليها الجماهير الهادرة التي ستخرج إلى الشوارع معبرة عن مشاعر الفرح والسرور لوداع المستعمر وهو يخرج من العراق بعد إنجاز (النموذج الديمقراطي في المنطقة) حيث يودعون بالورود والزهور بمثل ما استقبلوا به من حفاوة وحرارة تعبيراً عن روح الأخوة والصداقة. ومن القواعد الأساسية التي تلتزم بها القوات الاستعمارية في كل بلد، وتحرص على ترسيخها القوات الأمريكية في العراق وتطبقها بشكل صارم أن الحرية لا تأتي إلا بالدم الغزير، لذلك كلما سالت شوارع بغداد أو الأنبار أو الرمادي مثلاً بالدماء الفائرة استبشر المستعمر خيراً بقرب الانفراج، والاطمئنان بقرب تحقيق الديمقراطية والحرية ودلالات ذلك غزارة الدماء وتدفقها في شكل جداول. كما أن ما يسمى بالمنطقة الخضراء، وهي (غرفة نوم) أمريكية مساحتها شاسعة جداً سيستفاد من إقامة عدة مدن جامعية، وعدد من المستشفيات والمدارس، ورياض الأطفال. ولأن الهدف الأساسي الذي جعل المستعمر يخسر تلك الأرواح ومئات المليارات من الدولارات، كان هدفاً وجدانياً وإنسانياً، فستظل الأولوية لهذا الهدف حتى آخر لحظة لبقاء القوات الأجنبية في العراق، وحتى آخر قطرة من دم الجنود الذين يتوافدون على العراق بعشرات الآلاف من كل فترة يتناقص فيها العدد الكلي للمقاتلين لذلك سوف تعيد إدارة القوات الأجنبية كل ممتلكات القصور التي نهبت، لأنها جزء من المتاحف ومن تاريخ الشعب العراقي، وكذلك المتاحف والمكتبات الإسلامية والتاريخية وغيرها من الكنوز التي يعتبرها (العقلاء) مقدسات لا يجوز المساس بها، وما لحق بها إنما هو مجرد تصرفات فردية للغوغائيين الذين لا يفهمون شيئاً عن القيم الإنسانية، والثقافية والتراثية الحضارية للشعوب، وأن تلك الأخطاء لم تكن مقصودة، وسيعوض عن ذلك بمنجزات رفيعة تعبر عن مكانة تلك المقدسات لدى أصحاب (العيون الخضر) هذا فضلاً عن المشروعات العملاقة التي يزمع إقامتها في القرن الثاني لبقاء القوات الأجنبية في العراق وهي ترسي أسس ودعائم الدولة النموذجية في المنطقة بأقل الخسائر التي لم تتجاوز حتى الآن 857 مليار دولار وهي لا تساوي شيئاً إذا ما حسبت باليورو.