ما يحدث في غزة وعندما نتناوله بطريقة تحليلية مباشرة ومن دون أي انسياق خلف العاطفة التي دائماً ما تتحكم في محركات إدارة الأزمات والصراع في العالم العربي، هو وبكل اختصار مقدمات لفوضى قادمة بدأت تهب رياحها وتتسلل نذرها يوماً بعد يوم إلى غزة جالبةً معها ملامح الوجة الإسرائيلي القبيح ببطشه، وساديته التي علمتنا الأيام الماضية أنه يجب الاستعداد له جيداً وبشكل كافٍ قبل البروز إلى مشاهدة ذاك الوجه العسكري على أرض الواقع ومناطحته بالسلاح، حتى لا نعيد ما تكبدناه من ضربات وهزائم أدمت جسد الوطن العربي, وقللت أسهمه في إدارة الصراع مع إسرائيل.
في كل يوم يمطر السلاح الفصائلي إسرائيل بالصواريخ كسلاح مقاوم يوجه إلى نحر العدو، إذا كنا نتحدث عن حق الشعوب في المقاومة، ولكننا عندما ننظر إلى ما خلف ذلك نجد أن هذا السلاح الذي يتفنن في كل يوم بإثارة غضب العدو ويعطي الفرصة لعلو الأصوات المتطرفة فيه هو سلاح خارج من واقع الفوضى والانفلات والتشرذم والاحتراب الفلسطيني، مما يجعل الخلفية الوطنية له عندما نبحث عن الإجماع الوطني تعاني نوعاً من القصور والارتباك. فالمقاومة الثابتة يجب أن تخرج من رحم الإجماع والتكاتف، ووحدة السلاح والمشروع السياسي هما على حد سواء من الأهمية في إدارة الصراع مع المحتل لاسترجاع الحقوق منه وسد منافذ العبور إلى الداخل عليه.
الأصوات بدأت تتعالى في إسرائيل والمتطرفون يدلون بتصريحاتهم التي تجاوزت التقليد في المطالبة بقتل هنية والزهار إلى إزالة حي كامل بغزة لكي يكون عبرة لغيره، وإسرائيل بطبيعة مجتمعها السياسي عندما توجه الضربات لا تعطي شيئاً من الاهتمام إلى المجتمع الدولي وقوانينه بقدر ما يجنح ساستها وعرابوها إلى نيل رضا المواطن الإسرائيلي المهووس بالأمن والضربات الاستباقية، التي وللأسف الشديد كثيراً ما تلقتها الجانب العربي وقدمها إلى الجيش الإسرائيلي على طبق من ذهب من خلال ارتجاليات الموقف والتسرع في قياس وتحليل معطيات الأحداث.
من حق الفلسطينيين سواء كانوا حماسيين أو فتحاويين أو مدنيين عزل أن يقذفوا الإسرائيلي المحتل بالحجر والصاروخ على حد سواء، ولكن ذلك يكون جميلاً وأصيلاً لو أتى عن طريق وبوابة وحدة المشروع والإجماع، والعودة إلى حظيرة الهدف والأسلوب الواحد الذي شتته منازعات الولاء السياسي والنزعات الحزبية وقناعات الانقلابات والتخوين وغيرها من إشكاليات وفوضى الواقع الفلسطيني، ومحاولات بعض الأطراف النفوق منها عن طريق التشبث بلغة وتكتيكات المقاومة والسلاح من غير تخطيط أو قياس لمعايير والقوة والضعف، والحذر من عواقب الأمور في مثل هذه الحالات, وهو الأمر الذي إن لم يجد العلاج طريقاً إليه فإن قادم الأيام سترمي كرة الحل في ملعب إسرائيل. وكلنا يعلم ما هي الحلول الإسرائيلية التي تنتطر غزة وما هي طبيعتها, وكيف يتصرف الإسرائيليون عندما يتأبطون السلاح.
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244