Al Jazirah NewsPaper Tuesday  12/02/2008 G Issue 12920
الثلاثاء 05 صفر 1429   العدد  12920
التعليم والقنافذ
خالد بن عبدالله الشبانات-وزارة التربية والتعليم

مؤسسة برنارد فان لير مؤسسة تربوية تهتم بدعم الدراسات التربوية الحديثة، وقد طلبت عام 1979م من كلية الدراسات التربوية العليا بجامعة هارفارد تقويم حالة المعرفة العلمية المتصلة بالذكاء الإنساني وتلخيص نتائج البحوث على نحو يساعد التربويين صناع القرار لاتخاذ القرارات المناسبة لتطوير نظمهم التربوية. وانطلاقاً من هذا التوجه انخرطت ثلة من العلماء في هذه الجامعة خلال الثلاثين سنة الماضية في نشاطات بحثية واسعة تضمنت مراجعة للأدبيات ذات الصلة بموضوع (الذكاء) في التاريخ والفلسفة والعلوم الطبيعية والاجتماعية وإقامة سلسلة من ورش العمل حول مفاهيم النمو الإنساني في ثقافات متنوعة. أثمر هذا الجهد عن صدور عدد من الإصدارات التي حملت بين طياتها صياغات تربوية جديدة كان من أهمها الإعلان عن نظرية الذكاءات المتعددة لهوارد غاردنر. وبهذا الإعلان أصبح من اللائق أن ندق المسمار الأخير في نعش نظرية (العامل العام) لمفهوم الذكاء. أرباب هذه النظرية التي تزعمها عالم النفس البريطاني شارلز سبيرمان ويطلق عليهم هوارد غاردنر (القنافذ) يؤكدون على أن الذكاء قدرة مفردة عامة يتمتع بها كل إنسان إلى حد يزيد أو ينقص وأنه يمكن قياسها بأدوات لفظية مقننة مثل (اختبارات الإجابات القصيرة) بالورقة والقلم. وفي ظني أن كثيراً من النظم التربوية في دول العالم الثالث مازالت حبيسة أفكار (القنافذ) حيث المناهج العامة التي لا يمكن أن تطلق العنان لاكتشاف تلك القدرات الخاصة لدى الناشئة وخاصة في مرحلة التعليم الابتدائي. في الجانب الآخر من اللاعبين على أرض الذكاء يقف (الثعالب) كما أسماهم غاردنر ويتزعمهم عالم القياس النفسي الأمريكي (ل. ل. ثيرستون) وهم الذين يؤمنون بوجود مجموعة صغيرة من الملكات العقلية الأولية المستقلة عن بعضها نسبياً وتقاس من خلال مهمات مختلفة. لقد جاءت نظرية الذكاءات المتعددة لتعلن رسمياً وفاة نظرية القنافذ ولتعلن على الملأ بعدم واحدية الذكاء. ولقد بزت هذه النظرية سابقاتها، وهنا يسجل لهوارد غاردنر في هذا المضمار استخدامه لمنهج علمي فريد استند في بنائه لتلك النظرية إلى مجموعة من الأسس العلمية في عدد من المجالات كعلم النفس العصبي والدراسات التطورية والدراسات العبر ثقافية. وقد توصل من خلال هذه النظرية إلى وضع معايير ثمانية جعلها شرطاً لأي قدرة إنسانية يمكن أن ترقى إلى ما يمكن أن نطلق عليه (ذكاء)، هذه المعايير أنجبت سبعة أنواع من الذكاء يعتقد غاردنر أنها تتوافر لدى جميع الناس من حيث المبدأ وبفضل الوراثة والتدريب المبكر أو من خلال التفاعل بينهما سوف يكتب لبعض هذه الذكاءات البروز لدى بعض الأفراد أكثر من غيرهم. هذه الذكاءات تمثلت في: الذكاء اللغوي، الذكاء المنطقي الرياضي، الذكاء المكاني، الذكاء الموسيقي، الذكاء الحركي الذكاء الشخصي الداخلي والذكاء الشخصي الخارجي. (وسوف أتطرق في مقالة لاحقة بإذن الله إلى النوعين الأخيرين من هذه الذكاءات لحداثتهما في فقه علم النفس المعرفي). النظم التربوية في موطن هذه النظرية (أمريكا) تلقفت تلك الأفكار الوليدة الرائدة وبدأت تترجمها إلى واقع ملموس، حيث أُسس على ضوئها مشروع تربوي عملاق يدعى مشروع (الطيف) يتعلم في ضوئه التلاميذ وفق هذه النظرية. وفي هذا المشروع يتم إعداد المناهج، والفصول ومرافق المدرسة لاكتشاف تلك الذكاءات لدى الطلاب وتوظيفها توظيفاً جيداً في بواكير بزوغها.

هذه الجهود المتسارعة والمتطورة تدعونا إلى إعادة النظر في نظامنا التربوي. ومن منطلق أننا يجب أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، أصبح لزاماً علينا أن نطرق هذا الجانب لنفتح آفاقاً أرحب لعقول أبنائنا ولفتح ميدان يتمتع الجميع فيه بالذكاء إذا ما تم تهيئة الفرص المناسبة لاكتشاف هذه الركاز الإنسانية المتوفرة لديهم.



kaabsh2006@yahoo.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد