لم أتجاوز الأربع سنوات حينما أقام أهالي الرياض احتفالهم الكبير على استاد الأمير فيصل بن فهد (استاد رعاية الشباب بالملز سابقاً) بمناسبة تولي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز مقاليد الحكم خلفاً لأخيه الملك خالد - رحمهم الله - وكانت كاميرات التلفزيون السعودي موزعة في أرجاء الاستاد لكي تنقل الفقرة الرئيسة على الهواء مباشرة المتمثلة في العرضة السعودية رقصة الملوك والفرسان، فكانت الإيقاعات الآسرة تخفق معها القلوب والحناجر تردد بصوت مرتفع: (نجد شامت لابو تركي وأخذها شيخنا) في تناغم متناسق جميل وأجواء فرائحية رائعة تميزها خصوصية الزمان والمكان، وأمام تلك الصور الاحتفالية كنت أتابع بفضول طفولي رجلا يؤدي العرضة بإتقان متناه جعلني اندمج في المشهد فلم تكن عيني تفارقه ولم أجد صعوبة في متابعته عبر الشاشة الفضية، فقد كان الوحيد الذي لم يرتد البشت أثناء تأدية العرضة وبدا متميزا بالثوب الشتوي ذي اللون الرمادي وطريقته الخاصة في إسدال طرفي الشماغ خلف الظهر، وقتها كان معي سيف صغير فكنت أنظر للشاشة وأقوم بتقليد حركاته وهو يروض السيف يمنة ويسرة وسط عبارات التشجيع من أفراد عائلتي، وبعد انتهاء العرضة عرفت من أشقائي الكبار أن ذلك الرجل الذي كنت أتابعه وأقلد حركاته في العرضة هو الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض - حفظه الله ورعاه - ومنذ ذلك الموقف لا تكاد تمر مناسبة رسمية في التلفزيون السعودي إلا وأبحث عن الأمير سلمان حتى حفظت مكان جلوس سموه، فقد كنت دائماً ألمح الكرسي الواقع خلف كرسي جلالة الملك أو سمو ولي العهد مباشرة لأجد فيه الأمير سلمان، وعندما انطلق المهرجان الوطني للتراث والثقافة بالجنادرية كنت انتظر فقرة العرضة السعودية لأمتع ناظري بمشاهدة الأمير سلمان وهو يؤدي العرضة بأسلوب جذاب لا يتقنه سوى أبو فهد فارس الفرسان - حفظه الله ورعاه -، إن كل مواطن سعودي لديه قصة يرويها عن سموه الكريم، وعلى امتداد خمسين عاما قضاها - رعاه الله - في إمارة منطقة الرياض كان العنوان الأبرز متابعة يوميات المواطنين والاستماع إلى مطالبهم وشكاويهم وحل مشكلاتهم عبر مجلس سموه الأسبوعي، ولو قدّر لأحدنا معرفة عدد القضايا التي أنهاها سموه بحكمته وحنكته وصالح فيها بين أطراف النزاع لتفاجأنا من ضخامة عددها وتنوع مجالاتها ولكن لأنه (سلمان بن عبد العزيز) فلا مجال للدهشة أو الاستغراب، من المقولات الخالدة لسموه الكريم وصفه لمدينة الرياض بالنموذج المصغّر للمملكة العربية السعودية من جهة التركيبة السكانية، حيث تضم الرياض بين جنباتها أعداداً كبيرة من أهالي محافظات ومناطق المملكة بأكملها لأسباب وظيفية أو دراسية أو لغرض التجارة والبحث عن الرزق، فتكاد تكون مدينة الرياض بقيادة أميرها المحبوب مظاهرة حب ووفاء وعنوانا بارزا للوحدة الوطنية والبيت السعودي الكبير، هذا المعنى الجميل الذي أرسى دعائمه الوالد المؤسس جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود - نوّر الله ضريحه - وسار على نهجه من بعده أبناءه الملوك الكرام سعود وفيصل وخالد وفهد - رحمهم الله جميعاً - حتى عصرنا الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله - حفظه الله ورعاه -، إن كل شاب من الرياض بل ومن المملكة يرى في شخص الأمير سلمان صورة الأب ولاشك أن سموه الكريم يحمل نفس المشاعر تجاه أبنائه شباب الوطن قاطبة، فبعد رعاية سموه لحفل تخريج طلاب جامعة الملك سعود الصيف الماضي سأله أحد الإعلاميين عن مشاعر سموه وهو يرعى هذا الاحتفال ومن بين الخريجين ابن وحفيد (طبعاً كان السائل يقصد الأمير محمد بن سلمان والأمير أحمد بن فهد بن سلمان)، فكانت إجابة سموه السريعة: جميع الخريجين هم أبنائي، وثمة موقف آخر ما زلت أتذكره يبين حجم الحب الكبير الذي يحمله قلب سلمان الكبير لأبنائه أبناء وطنه، ففي الاحتفال السنوي للجمعية الخيرية لرعاية الأيتام (إنسان) في شهر رمضان قبل عدة أعوام ألقى سموه كلمة معبرة وعند نهايتها قال سموه: إن هؤلاء الأيتام هم أبناؤنا ونحن مسؤولون عنهم. وكان الجميع يلحظ بوضوح أن سموه يلقي تلك الكلمات وسط زحام من المشاعر، وقد غمرت عينيه الدموع دموع الأب الحنون المستشعر لعظم المسؤولية، إنها المحبة لأبناء الوطن التي أخذت مكانها الرحب في نفس سموه الكريم، وفي الصيف الماضي كان هناك شاهد جديد لحب قديم استوطن في نفوس الأمة تجاه سمو أمير الرياض المحبوب عندما نشرت الصحف توضيحا من المكتب الخاص لسموه حيث جاء في الخبر: نظراً لكثرة الاتصالات التي تستفسر عن صحة سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز إثر الفحوصات الطبية التي أجريت لسموه في العين نؤكد للجميع بأن سموه - حفظه الله - بصحة وعافية وأن الفحوصات التي أجراها سموه في عينيه هي فحوصات دورية وروتينية. لعلك توافقني أيها القارئ الكريم على أن هذه الجزئية وحدها تحتاج الى مقال كامل ومستقل لما احتوته من مضامين تؤكد خصوصية العلاقة بين سلمان الرياض وأبناء شعبه الذين وضعوا أيديهم على قلوبهم عندما تسامعوا خبر الفحوصات الطبية لسموه الكريم قبل أن تطمئن قلوبهم بالتوضيح الذي أصدره مكتب سموه الخاص، إن حجم التقدير والاحترام والحب الذي نحمله شيباً وشباناً رجالاً ونساءً لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض - حفظه الله ورعاه - لا يمكن اختزاله في أحرف وأسطر وكلمات ويستحيل ترجمته بمفردات وعبارات فنحن أمام مشاعر صادقة جياشة لسلمان الرياض، وختاماً أود التأكيد على نقطة مهمة تكمن في الاحتفال الذي كان أهل الرياض قد عقدوا العزم على إقامته لسمو الأمير سلمان بمناسبة مرور 50 عاماً على تولي سموه الكريم إمارة منطقة الرياض، حيث نقلت وسائل الإعلام أن سموه رفض فكرة إقامة هذا الاحتفال والرأي في نهاية الأمر لسموه الكريم، لكن لا أعتقد بأن عدم إقامة الحفل يعني عدم إيجاد بدائل أخرى للتعبير من خلالها عما نحمله لسموه من مشاعر، فلئن تعذّر إقامة الاحتفال فالجميع ليسوا بمعذورين بالدعاء لسموه لأن هذا الشيء متاح للجميع وفي أي وقت، أسأل الله العلي القدير أن يحفظ الأمير سلمان من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه وأن يسبغ عليه لباس الصحة والعافية ويجعل ما قدمه ويقدمه لهذا الوطن وأبنائه في ميزان حسناته آمين.