هل رأيتم أو سمعتم أيها الأخوة القراء بوردة تشق الصخر وتخرج للهواء سامقة بعودها الأخضر الضئيل ثم تتبرعم بلونها الرائع الأخاذ ثم تضوع بعد ذلك بالأريج النفاذ لتملأ محيطها الصغير بالعطر والبهاء غير آبهة بما يحيط بها من ضجيج وهواء ملوث بأدخنة العوادم والاحتفاء والعناية بغيرها من الزهور، بالطبع ليست تلك الوردة (نبتة شيطانية) والعياذ بالله كما يقول النقاد لدى بروز أي مبدع مباغت، بل إن الوردة التي أتحدث عنها هي وردة حقيقية قد لمستها وتأملتها وشممت عبيرها العجيب وكنت -حينها- أدعو بعض أصدقائي الشعراء والفنانين إلى زيارتها كلما سنحت الفرصة بذلك لأثبت لهم أن الإبداع وهو أحد أشكال جمال الحياة يتحدى الصعاب ويعلن عن نفسه بنفسه وبطريقة مباغتة مدهشة، وتلك الوردة التي أعنيها رأيتها ذات مرة على رصيف شارع مبلط عام، وكانت قد خرجت من شقوق الإسمنت باسمة متوهجة بتويجها الجميل ولكي لا تقتلها أدخنة عوادم السيارات أو تدوسها الأقدام أحطتها بحماية بلاستيكية تسمح لها بالاغتسال بأشعة الشمس والانتعاش ببعض الهواء. وكنت أزورها بين الفينة والفينة بمعية الأصدقاء لأنها كانت من أغرب الأزهار وقد أسماها بعض الأحبة الشعراء (وردة سليمان) كرمز لرعايتي المتواضعة لبداياتهم الشعرية. إلا أنني علقت على تلك التسمية أرجو ألا تكون مثل وردة (نرسيس) أحد رموز الميثلوجيا الإغريقية الذي رأى صورته الجميلة على سطح الغدير ولشدة إعجابه بها جف الغدير ونبتت زهرة (النرجس) التي أصبحت رمزاً لكل معجب بنفسه فأطلق علماء النفس على هذه الحالة اسم (النرجسية) ما علينا من ذلك الاستطراد الشعري كله ولكن ما يعنينا هنا هو بزوغ مبدع سعودي مباغت اتخذ نفس سلوك تلك الوردة الباسلة التي أشرنا إليها ألا وهو الشاعر الفذ (نايف كسار الجزاع) الذي انتزع جائزة (قصيدة التحدي) التي أقامتها في دبي قناة فواصل تحت رعاية سمو الأمير الدكتور سعد بن عبدالله بن مساعد وقيمتها أي الجائزة (مليون ريال سعودي) اشترك في الحصول عليها آلاف الشعراء من الأقطار العربية كافة. ومما أعجبني بنايف رغم أنه من أبناء عشيرتي الأقربين إلا أنني لم أسمع عن شاعريته لأنه لم يكن يهتم بالأضواء أو الفضائيات أو حتى النشر في الصحف، كما أنه خاض معركة التحدي بكل هدوء وثقة دونما أن يلجأ هو أو أهله الكرام إلى استثارة النخوة القبلية التي تعتمد عليها كمصدر ريع تلك الفضائيات، بل إنه دخل المسابقة متسلحاً بالإبداع والهدوء والخلق النبيل حتى أسموه (الفارس الصامت) وبذلك اكتسب من خلال المسابقة ثقة المشاهدين على اختلاف مشاربهم وقبائلهم وبلدانهم ليصوتوا له كشاعر للوطن لا كشاعر للقبيلة وحسبه ذلك فخراً.
***
ولعلي لا أذيع سراً أنني سمعت من أحد المقربين من الشاعر أنه حينما أستأذن صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- ب تيسير سفره للمشاركة في قصيدة التحدي وأذن له بذلك قال (اللهم لا تفشلني مع سلمان)، وقد استجاب الله سبحانه وتعالى إلى دعوته وها هو يعود ظافراً إلى وطنه الحبيب بالجائزة الكبرى ليصبح بذلك أحد الأصوات الوطنية المبدعة التي تتغنى بهذا الوطن العظيم. ف (ألف مبروك له ولوطن لا ينجب إلا المبدعين).