Al Jazirah NewsPaper Tuesday  12/02/2008 G Issue 12920
الثلاثاء 05 صفر 1429   العدد  12920
(مافيا التأشيرات)
فضل بن سعد البوعينين

بسبب الدكتور عبدالرحمن الزامل، عضومجلس الشورى، تراجعت عن نشر ثلاث مقالات سبقني إليها بتصريحاته وتعليقاته الصحفية النارية التي يُفترض أن تكون سمة ملازمة لجميع أعضاء مجلس الشورى الموقر. وللأمانة فقد استأثر الدكتور الزامل بهذه الصفة إعلامياً على بعض أقرانه،

وهواستئثار جعله مستحقاً للقب (العضوالمشاغب) الذي أطلقه عليه صاحب السموالملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض، في لقاء سموه بأعضاء مجلس الشورى إثر مناقشة تقرير دارة الملك عبدالعزيز، بحسب ما أوردته صحيفة (الجزيرة) في عددها الصادر بتاريخ 26- 3-1428هـ.

مشاغبة الدكتور الزامل تندرج ضمن المشاغبة المحمودة، أوالإيجابية التي تصب في مصلحة الوطن والمواطن ما يجعلنا ندعوالله أن تنتقل عدواها من معاليه إلى الأعضاء الآخرين الذين آثروا الصمت، وتواروا عن الأنظار متجاهلين التصويت حتى على قضايانا المصيرية.

الدكتور عبدالرحمن الزامل استغل تكريمه ضمن أصحاب المنشآت الداعمة للشباب في مجال توطين الوظائف من قبل وزراء العمل الخليجيين، في شهر نوفمبر الماضي، لتوجيه نقد حاد ل (عصابات التأشيرات التي بدأت تنتشر في دول الخليج) التي أطلق عليها اسم (مافيا التأشيرات).

كان المكان والزمان مناسبين لإيصال رسالة (الوطن) المتضرر من (عصابات التأشيرات) التي ألحقت الأذى بالاقتصاد، والمجتمع، وساعدت في نشر الجريمة، وألحقت الضرر الكبير بمشروع السعودة وإستراتيجية العمل الوطني. استبدل الدكتور الزامل عباءة البرلماني المحنك بعباءة التكريم فأشعل القاعة إعجاباً وتصفيقاً.

تذكرت حدث التكريم بعد أن أعلنت وزارة العمل مؤخراً عن زيادة عدد تأشيرات العام 2007 بنسبة 34 في المائة عن العام 2006. الزيادة الضخمة في عدد التأشيرات لم تمنع رجال الأعمال من مواصلة الشكوى والتذمر من محدودية التأشيرات التي يحصلون عليها مقارنة باحتياجاتهم الضرورية.

يشتكي رجال الأعمال من قيود تنظيمية تحول دون حصولهم على التأشيرات المستحقة، ما دفع البعض منهم إلى طرق الأبواب الخلفية للحصول على ما يحتاجونه من تأشيرات. الأبواب الخلفية ساعدت على ظهور بورصة التأشيرات التي تخصص فيها مجموعة من محترفي تسلق الأسوار العالية. انتشر السماسرة الذين وجدوا في بورصة التأشيرات وسيلة للإثراء السريع.

بعض رجال الأعمال مالوا نحواستئجار العمالة المخالفة، أوالهاربة لرخص تكلفتها ووفرتها في السوق. توفر العمل، بغض النظر عن قانونيته، أشاع الفوضى في واحدة من أكبر أسواق العمل في المنطقة، وأدى إلى ارتفاع نسبة العمالة الهاربة، وعدم التزام أرباب العمل المؤقت بالقوانين والأنظمة العمالية.

ساهمت بعض الشركات الضخمة في نشر ثقافة هروب العمالة بعد أن سمحت لكل من يحمل إقامة نظامية بممارسة العمل في مشاريعها الإنشائية الخارجية، وإن لم يرتبط بعلاقة نظامية مع متعهد التنفيذ. أحد المعامل الحساسة في المنطقة الشرقية كان مرتعا للهاربين، ولمخالفي أنظمة الإقامة. ضخامة المشروع، وموقعه النائي سمحا لهؤلاء بمزاولة العمل بكل يسر وسهولة بعيداً عن أنظار المراقبين ورجال الأمن. أصبح لدينا (مافيا تهريب العمالة) من كفلائهم تحت إغراء المرتبات العالية، ثم مافيا عاملات المنازل المتخصصة في إعادة تأجير الخادمات، وإقحامهن في الأعمال غير الأخلاقية، بعد السيطرة عليهن.

اجتهدت وزارة العمل في تنظيم إصدار التأشيرات، وخفض العمالة الوافدة، وقاتلت من أجل تطبيق إستراتيجية السعودة، ومحاربة (مافيا التأشيرات) التي باتت تهدد الاقتصاد، والمجتمع، والأمن الوطني. على الرغم من جهود الوزارة المضنية، والمميزة في الحد من التأشيرات غير الضرورية، فقد سجل العام 2007 زيادة كبيرة في إجمالي عدد التأشيرات الممنوحة مقارنة بالعام 2006؛ ومع هذه الزيادة الكبيرة نجد أن غالبية شركات القطاع الخاص ما زالت تشتكي من عدم حصولها على التأشيرات المطلوبة. ترى أين ذهبت كل هذه التأشيرات؟

أعتقد أن المشكلة تكمن في توزيع العمالة على من يستحقها، لذا نجد أن هناك من تتكدس لديهم التأشيرات والعمالة التي لا يمتلكون العمل المناسب لها، في الوقت الذي لا تجد فيه المنشآت الصناعية، التجارية كفايتها من العمالة النظامية، بحسب شكواهم المتكررة.

للأسف الشديد فقد أُخذت الشركات والمؤسسات المطبقة للنظام بجريرة المخالفين، فنظام التأشيرات أصبح يركز كثيرا على عدد التأشيرات الإجمالية الممنوحة لمالك المنشأة، ما سمح للمخالفين بإعادة استنساخ تجاربهم السابقة في الشركات والمؤسسات الوهمية وجعلها واجهة لبيع التأشيرات وتأجير العمالة المخالفة. وبذلك تكدست التأشيرات في أيدي من لا يحتاج لها، في وقت تقاتل فيه بعض شركات القطاع الخاص المنضبطة من أجل توفير الحد الأدنى من التأشيرات.

هناك منشآت فردية، مؤسسات، وشركات تقوم بدورها الفاعل في إستخدام العمالة التي تستقدمها في مشاريعها الخاصة، وتؤمن لها متطلبات الحياة وشروط منظمات العمل، وفي المقابل هناك منشآت أخرى وهمية تستهدف استقدام العمالة من أجل تحقيق الربح السريع من خلال بيع التأشيرات أوإعادة تأجيرها بطريقة غير نظامية، أو تركها تتدبر أمرها في سوق العمل، أوالأنشطة الأخرى المخالفة للأنظمة والقوانين.

من بوابة التقنين، والسعودة الهادفة إلى تشغيل أبناء الوطن وتدريبهم خرج المخالفون الذين وصفهم الدكتور الزامل ب(مافيا التأشيرات)، ضاربين بعرض الحائط مصلحة الوطن والمواطن. أغرقوا سوق العمل بالعمالة الوافدة غير المدربة التي أصبحت عبئا على المجتمع ومصدراً للجريمة. مافيا التأشيرات فتحت سوق العمل السعودية أمام عصابات القتل، المخدرات، السرقة، الخطف، الدعارة، والمتاجرة بالأعضاء التي تدفع بسخاء لشراء التأشيرات واستقدام المنحرفين من بني جلدتهم، لا بقصد العمل بل لأهداف إجرامية صرفة.

أعضاء (مافيا التأشيرات) مسؤولون أمام الله عن كل جريمة تقترفها أيدي من استقدموهم إلى هذه الأرض المباركة، بل هم شركاء في الجريمة التي لم تكن لتحدث لولا مخالفتهم الأنظمة والقوانين واستقدامهم عصابات القتل والدمار، تحت إغراء المادة، بدلاً من العمالة المدربة التي يحتاجها سوق العمل.

معالي وزير العمل الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي أرجع سبب كثرة العمالة المستقدمة إلى المواطن وقال تحت قبة مجلس الشورى (لا أبالغ إذا قلت إن جزءاً كبيراً من الشعب السعودي مسؤول عن استقدام هؤلاء العمال؛ حيث إن بعضهم يعتبره عرضاً من عروض التجارة من حيث بيع التأشيرات أو التستر عليهم).

على المستوى الخليجي أشير إلى ما ذكره وزير العمل البحريني، مجيد العلوي، من أن مشكلة العمالة الأجنبية في الخليج قد تغير وجه المنطقة بكاملها خلال العقد المقبل. وقال عنها أنها: (أشد خطراً على الخليج من القنبلة النووية وإسرائيل (معاً). كلمات لا تحتاج إلى تفسير بقدر حاجتها إلى استشعار المواطن لمسؤولياته أمام الله ثم المجتمع.

بكل أمانة، الأمر لم يعد مرتبطاً بوزارة العمل التي بذلت كل ما في وسعها من أجل تنفيذ إستراتيجية السعودة الطموحة، وإعادة تنظيم سوق العمل وفق الأنظمة والقوانين الدولية، وبما يحقق المصلحة العامة، بل أصبح مسؤولية وطنية يتحملها المقصرون في الوزارات والهيئات الحكومية ذات العلاقة، القطاع الخاص، والمواطنون.

فهل نبدأ بتحمل مسؤولياتنا الوطنية بدلاً من رفع الصوت بالشكوى وترك الحبل على الغارب!.

تعازينا لمعالي الوزير علي النعيمي

خالص التعازي والمواساة نقدمها لمعالي المهندس علي بن إبراهيم النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية، والشيخ يوسف النعيمي وأسرتهما الكريمة في وفاة الشيخ سعيد بن إبراهيم النعيمي، سائلين المولى العلي القدير أن يتغمده بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يلهمهم جميعا الصبر والسلوان.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 7741 ثم أرسلها إلى الكود 82244



f.albuainain@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد