القاهرة - مكتب«الجزيرة»- علي البلهاسي
أثارت محاولة الانقلاب الفاشلة التي حدثت مؤخراً في تشاد العديد من التساؤلات حول علاقة السودان وأطراف أخرى إقليمية ودولية بها، وذلك في الوقت الذي ظهرت فيه اتهامات للنظام السوداني بدعم الانقلابيين التشاديين، وهي الاتهامات التي تفتح الباب أمام ضغوط دولية كثيرة يتوقع أن يواجهها السودان خلال الفترة المقبلة فيما يتعلق بدوره في تشاد وكذلك فيما يتعلق بمشكلة دار فور.
وكشفت الأزمة التشادية عن تنسيق أمريكي - فرنسي فيما يتعلق بالقضايا الإفريقية وهو ما يمكن أن يمثل بداية لمرحلة جديدة من التدخل الفرنسي في النزاع التشادي - السوداني وهو التدخل الذي قد يمتد إلى قضية دار فور التي أصبحت مدخلاً للأجندة الدولية للتدخل في الشؤون السودانية.
ويرى المراقبون أن الأحداث الأخيرة لم تكن سوى حلقة جديدة من مسلسل الشد والجذب بين السودان وتشاد الذي تؤججه حركات التمرد على جانبي الحدود، وذلك برغم الاتفاقيات بين الجانبين التي تؤكد احترام كل منهما لسيادة الطرف الآخر، وأبرزها اتفاق طرابلس في فبراير 2006 واتفاق الرياض في مايو 2007م.
وتؤكد السودان أن المتمردين في دارفور يتلقون الدعم من الحكومة التشادية، فحركتا التمرد الرئيسيتان في دار فور تنتميان إلى القبيلة التي ينحدر منها الرئيس التشادي إدريس ديبي ومعظم القيادات وقادة أجهزة الاستخبارات في تشاد وهو ما دفع حكومة الخرطوم إلى اتهام انجامينا بدعم التمرد في دار فور. وعلى الجانب الآخر فإن تشاد تتهم السودان بدعم المتمردين، في حين تؤكد تشاد أن الحكومة السودانية تقوم بدعم وتوفير الملاذ للمعارضة التشادية التي تتمركز في إقليم دار فور وتحظى بدعم القبائل العربية التي تتوزع بين تشاد والسودان، وتضم المعارضة التشادية في صفوفها مجموعة من الضباط والجنود التشاديين الهاربين من الجيش الذين ساعدوا ديبي في الاستيلاء على السلطة في تمرد 1990 حيث يتهمونه الآن بالفساد ويسعون للإطاحة به. ويرى ديبي أن الحكومة السودانية تقف وراء تلك المعارضة لإسقاط نظامه.
واللافت للنظر أن النظام السوداني الذي يتبادل والنظام التشادي الاتهامات بشأن دعم جماعات المعارضة المسلحة على جانبي الحدود?, هو النظام نفسه الذي ساعد قبل ?17? عاماً إدريس ديبي ابن قبيلة الزغاوة ذات الجذور الإفريقية للانقلاب على سابو.. من جهة أخرى فإن عدم قدرة الخرطوم ونجامينا على ضبط الحدود بينهما في ظل التداخل القبلي ساعد على إشعال الصراعات المسلحة.
ولا تقف الدول الكبرى بعيدة عن مسرح الأحداث وعمليات التمرد في كلتا الدولتين، فالسودان مصدرة للنفط وهو ما منحها أهمية استراتيجية كبرى، كما أن تشاد أصبحت مصدرة للنفط وهو ما منحها هي الأخرى أهمية كبرى مما يفسر تدخل فرنسا المباشر لدعم الرئيس ديبي أمام المتمردين.
ولعل الأهمية الكبيرة التي تحظى بها السودان وتشاد تؤكدها تحركات الاتحاد الأوروبي الأخيرة حيث صادق الاتحاد الأوروبي في نهاية يناير الماضي رسميا على إرسال فوري لقوة عسكرية إلى شرق تشاد وشمال شرق إفريقيا الوسطى المتضررتين من تداعيات نزاع دار فور وانعدام الأمن الناجم عن التمرد، وتعتبر تلك العملية أكبر عملية عسكرية ينفذها الاتحاد الأوروبي خارج القارة الأوروبية وبدون مساعدة حلف شمال الأطلسي.
الصراع لن يتوقف
يؤكد الدكتور عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق وخبير الشؤون الإفريقية أن ما حدث في تشاد جزء من تاريخ وجزء من مستقبل، مشيراً إلى أن الصراع بين المتمردين والحكومة في تشاد لن يتوقف ما دام هناك صراع مستمر في دار فور وما دامت هناك مشكلة لتشاد مع السودان الدولة، ولذلك سيظل التناحر قائماً بين الطرفين من خلال دعم السودان لمتمردي تشاد ودعم تشاد لمتمردي دار فور، وأكد الأشعل أن ليبيا والسودان جزء من اللعبة وطرفان أساسيان فيما يحدث في تشاد، وتاريخ الصراع بين السودان مشحون وسيمتد طالما أن تشاد اختارت أن تكون قنطرة الغرب في الهجوم على السودان وأن تكون موالية للغرب على حساب السودان، ودار فور عنوان لمعركة كبرى وصراع بين السودان والمجتمع الدولي بهدف تجزئته والمساس بوحدته، ولذلك أنا مع مساندة عربية للرئيس السوداني عمر البشير في رفض كل ما يتعلق بدار فور دولياً، والمجتمع الدولي منافق ولا يهمه تحقيق الشرعية والاستقرار كما يزعم وإنما يسعى لتحقيق هدفه بتجزئة السودان.
وأكد الأشعل أن فشل المتمردين التشاديين في انقلابهم الأخير فصل من فصول كثيرة للصراع حدثت وستحدث ولن يكون النهاية، فالمتمردون كانوا على أبواب القصر الجمهوري وانقلابهم لم يفشل إلا بتدخل مباشر من فرنسا التي هاجمت قواتها المتمردين، وأشار إلى أن الموقف الفرنسي من الأزمة اقتصر في البداية على إجلاء الرعايا ثم حدث جدل بين فرنسا وتشاد حول تفسير اتفاقيات التعاون بين البلدين التي رأت فرنسا أنها لا تشمل مساندة الحكومة ضد المتمردين، ولكن يبدو انه وبعد الموافقة الأمريكية والضوء الأخضر الذي حصل عليه ساركوزي من بوش أعلنت فرنسا استعداداها للتدخل وتدخلت بالفعل لحماية النظام التشادي وإنقاذ الرئيس ديبي.
وأضاف أن مساندة فرنسا للنظام التشادي حملت رسالة قوية للخرطوم بأن هناك حدودا لعدم الرضا من جانب السودان على تشاد، مشيراً إلى أن هذه الرسالة لن توقف دعم السودان للمتمردين في تشاد إلا إذا توقفت تشاد هي الأخرى عن دعم المتمردين في دار فور وموالاة الغرب ضد السودان، فتشاد دخلت اللعبة وأصبحت جزءاً من منظومة الضغوط الدولية على السودان فيما يتعلق بدار فور، وقال الأشعل: إن موقف الاتحاد الإفريقي من الانقلاب كان شبه محايد في البداية إلا أنه تحول مع تحول الموقف الدولي وأصدر قراراً بعد الاعتراف بأي نظام يأتي عن طريق الانقلاب في إفريقيا وهذا القرار ليس بجديد وإنما سبق وان صدر في قمة الجزائر وتم تجديده مع انقلاب تشاد، أما أمريكا فقد تدخلت في عمق إفريقيا ودعمت من قبل هي وإسرائيل عددا من الانقلابات ولكنها تراجعت عن هذه السياسة وأوقفت الانقلابات لوقف الفوضى التي نتجت عنها في القارة الإفريقية خاصة وأنها كانت تأخذ الطابع القبلي بسبب سيطرة القبيلة الأقوى على الجيش، ولذلك لجأت إلى خيار وقف انقلاب تشاد وأعطت الضوء الأخضر لفرنسا للتدخل.
وأكد الأشعل أنه لا يمكن على وجه العموم القول بوجود تنافس أو تعاون أمريكي - فرنسي في القارة الإفريقية، مشيراً إلى أن هذا التنافس أو التعاون أصبح يختلف من مرحلة الى مرحلة ومن وقت الى آخر وتغلب عليه وتحدده لغة المصالح، فاليوم كان هناك تعاون وغداً قد يكون هناك تنافس بينهما، واختتم الأشعل بتأكيده أن تشاد لن يهدأ لها قرار ولن تستقر إلا إذا تم حل مشكلة دار فور، وتوقع تزايد الضغوط الدولية على السودان في الفترة المقبلة وزيادة دعم المتمردين في دار فور لاستنفاد قوة الحكومة السودانية وجهودها في دار فور.
النتائج ضد السودان
وتقول الدكتورة أماني الطويل خبيرة الشؤون السودانية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: إنه على الرغم من نفي الحكومة السودانية أكثر من مرة وجود علاقة لها بمحاولة الانقلاب الفاشلة في تشاد إلا أن السوابق تشير إلى محاولات للنظم السودانية المتعاقبة للتأثير في المعادلة السياسية داخل تشاد، وبغض النظر عن كون الحكومة السودانية ضالعة في المحاولة الانقلابية بتشاد من عدمه فإن نتائج فشل هذه المحاولة ستكون بلا شك ضد السودان، حيث من المتوقع تصاعد الضغوط الدولية ضد السودان في المرحلة القادمة فيما يتعلق بالأوضاع في دار فور والدور السوداني في تشاد.
وأكدت أن نشر قوة اليوروفور سوف يكون خصماً من أوراق الحكومة السودانية في دار فور، ومن المتوقع أيضاً أن يكون النظام السوداني بشكل أو بآخر مستجيباً للضغوط الغربية وخصوصاً الفرنسية فيما يتعلق بترتيب الأوضاع على الحدود بين تشاد ودار فور وهو ما سيفتح الباب أمام سيناريوهات التدخل الفرنسي في دار فور، وهو أمر سبق وأن تطرق إليه الرئيس الفرنسي ساركوزي في بداية ولايته.
ومن السيناريوهات المتوقعة أيضاً - والكلام للدكتورة أماني - أن يتم حماية النظام التشادي من جانب فرنسا بشكل أكثر وضوحاً وفاعلية من ذي قبل على اعتبار أن بيان مجلس الأمن الأخير بشأن الأزمة أطلق يد فرنسا في هذا الأمر وأعطاها ضوءاً أخضر للعب دور أكثر فاعلية.
وأضافت أن الأزمة الأخيرة في تشاد كشفت عن وجود تنسيق أمريكي - فرنسي فيما يتعلق بالقضايا الإفريقية وهو ما يعني أن أمريكا تركت مساحة تحرك لفرنسا على الأقل في منطقة إفريقيا الوسطى وهي منطقة النفوذ التقليدية لفرنسا وذلك دون إخلال بالمصالح الأمريكية في القارة السمراء.
وحول مستقبل الأوضاع في تشاد بعد الانقلاب قالت الدكتورة أماني: إن المشكلة في تشاد تتعلق بتقسيم السلطة والثروة بين الشعب التشادي وتتعلق بآليات حكم الرئيس ديبى والانتقادات والاتهامات الموجهة له من جانب أطراف تشادية عديدة بحرمان الشعب التشادي من عوائد البترول لصالح قبيلته الزغاوة، وبالتالي فإن مثل هذا الصراع الداخلي سيستمر وسيجد من يدعمه خارجياً سواء كان السودان أو غير السودان، وهناك أطراف يمكن أن تدعم هذا الصراع لصالح أجندة دولية، وفي الحالات المثيلة بإفريقيا يكون الطريق الأمثل والأكثر فاعلية على المدى الطويل هو اللجوء للتفاوض السياسي بين الأطراف المتنازعة للوصول إلى تسوية يمكن من خلالها تحقيق أجندة استقرار سياسي.
وأكدت الدكتورة أماني وجود علاقة بين الصراع في تشاد والصراع في دار فور، مشيرة إلى أن الصراع في تشاد سيظل مستمراً ما دامت مشكلة دار فور مستمرة، وقالت: إن سقوط نظام ديبي كان يصب في صالح الوصول لتسوية سياسية في دار فور، خاصة وأن تشاد تدعم التمرد في دار فور، وأوضحت أن النظام السوداني يمتلك آليات مرنة تستطيع احتواء المشكلات الداخلية حتى اللحظة الراهنة، ولن تحل مشكلة دار فور إلا إذا تم حل مشكلة الحكم في السودان كله وتحقق شكل من أشكال الاستقرار السياسي والأمر مرهون بحل وطني شامل في السودان يتجاوز الخلافات السياسية.