كثيرٌ من النقد بناء، والقليل على وجه العملة الآخر مظلم هدام، وهناك لغة نقدية تتعدى بمفعوليها إلى شخصنة بناء العملية النقدية بناءً على توجهات خاصة يكنها الناقد غير الموضوعي لمن يوجه إليه سهام نقده اللاذع؛ فينبني نقده على شخص صاحب العمل بدلاً من العمل ذاته الذي يفترض أن تنصب عليه جملة العملية النقدية برمتها. ويتناسى الكثيرون أن المبدعين يوجهون عملهم الإبداعي نحو تغيير ما في مجتمعاتهم لإضافة معنى جديد للوجود؛ معنى ذي قيمة معرفية قائمة على استجلاء الوعي الإنساني لإحداث نمط جديد من الحياة قادر على مواكبة التطورات الحياتية المتتابعة.
ولا يُخفى أن مجتمع المنتديات والمواقع الإلكترونية العشوائية الموجودة على الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) لا يوجد به إلا هذا النوع الثاني من نوعي النقد؛ فتجد أصحاب هذه المنتديات ومرتاديها يشنون هجوماً ضارياً على شخصٍ ما، والتبرير - مثلاً - بسبب كتابة مقال أو رواية أو أي نتاج أدبي خرج عن المألوف - من وجهة نظرهم -، وتم بثه للجماهير التي من المفترض أن تقرأ العمل - أولاً - قبل أن تنطق أو تكتب حرفاً واحداً في العمل، سواء من ناحية الشكل أو المضمون، ناهيك عن وجود نظريات نقدية كثيرة جداً، لا يلتفت إليها للجهل المطبق، بينما تبعاً لهذه المنتديات وأصحاب المصالح الهدامة تجد جمهوراً عريضاً ينساق خلف هذا النوع من النقد الهدَّام صاباً جامّ غضبه على شخص صاحب العمل؛ فلا تجد إلا سباباً وتجريحاً للشخص نفسه، والذي يصل إلى حد تكفيره، والجري بل اللهث نحو اجتراح لغة شتائمية لاذعة يوصف بها ذلك الشخص صاحب العمل. ورويداً رويداً تجد أن الكلام المكتوب (النقد الهدّام) الذي هو من المفترض أن يكون نقداً ما هو إلا سباب في شخص الرجل أو المرأة أو المبدع بوجه عام، ويتم التطاول عمداً من أشخاص بعيدين عن العملية النقدية برمتها بعد السديم من المجرة؛ فيصفون الشخص نفسه بالشذوذ الفكري وبالتخلف المعرفي، وبأنه تجب محاربته، ويمكن أن يصل الأمر إلى إصدار فتوى عشوائية من صاحب المنتدى العشوائي بإهدار دم هذا الرجل الذي من المفترض أن يكرَّم بدلاً من هذا السباب باعتبار أنه بعد إتمام العملية الإبداعية التي قدَّم فيها هذا المبدع عصارة فكره قد قدَّم عملاً ثقافياً مستقلاً ليستفيد منه الآخرون. الحل السهل والسريع لأصحاب المواقع الإلكترونية لتغطية أشباحهم الذين يسبون المبدعين ليل نهار هو كتابة جملة (الآراء الموجودة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن سياسة الموقع وإنما هي مسؤولية كتابها). فإذا سبني أحد الأشباح الذين يملأون هذه المواقع مثلاً من أين لي أن أعرف من هو صاحب الاسم الذي دائماً ما يكون غير حقيقي؛ فالقصد الإساءة فقط، والمسيء دائما (جبان) يتخفى تحت أسماء مستعارة غير حقيقة؛ فكيف وأين يكون حق المبدع الذي تمت الإساءة إليه؟
العملية النقدية شديدة الحساسية والخطورة؛ لأن هناك الكثير ممن لا يقرأ العمل الأصلي يندفع بعمى إلى قراءة النقد - الموضوع - ويصدق، بل ويعتنق فكر صاحب السباب والقذف ويكون حالة من العداوة تجاه صاحب العمل بعيداً عن العمل الأصلي، بعيداً عن تتبع القراءات لهذا الرجل صاحب العمل الأصلي قبل تدوين قراءة النقد اللاذعة أو الهدَّامة، وكم من أناسٍ مبدعين دفعوا أثماناً باهظة من دمائهم وعرقهم ونفيهم خارج أوطانهم وشعورهم بأن جهدهم ضائع بسبب هذه اللغة الشتائمية الصادرة عن أشباح الإنترنت والتي نواجه بها جميعاً في أي لحظة يمكن أن نطرح فكرة من الممكن ألا تجد القبول لدى فئة دون الأخرى، وهذا طبيعي لأن إرضاء جميع الأذواق الفنية أو النقدية غاية لا تُدرك.
نقص الوعي المعرفي أو تشويهه عملية في غاية الخطورة ويجب الالتفات إليها لمعالجتها معالجة دقيقة تتضمن مساءلة أصحاب هذه المواقع والمنتديات عن هذا السباب الصريح الذي يصل إلى القذف باعتبار أنهم بعيدون عن القانون، بعيدون عن المساءلة، بعيدون عن العملية الإبداعية من أولى مراحلها ووصولاً إلى العملية النقدية التي من المفترض أن يكون المتلقي جزءاً منها.
ففي أي عمل هناك وجهة نظر ترى أنه لا يرقى إلى درجة الإبداع، حتى لو حصل على جائزة نوبل، وهناك عمل، حتى لو كان (شخبطة)، يجد مناصريه.
وعلى كلٍ فإن أي عمل ما هو إلا نتاج إنسانيّ يسجل لصاحبه في اللحظة الراهنة التي قد تتبلور مستقبلاً - بعيداً عن أشباح الإنترنت - مكونةً عملاً إبداعياً راقياً قد نستفيد منه جميعاً، وقد يمثل نظرية إبداعية راقية في وقت ما؛ فمن يحمينا من هؤلاء الأشباح الافتراضيين الذين يملأون المواقع سباباً وتجريحاً؟
aboelseba2@yahoo.com