عرعر - فهد الديدب
أوضحت المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية موقفها حول ما أثير مؤخراً عن المطالبة برفع الحد الأدنى لمعاشات المتقاعدين ومنح القروض وتوفير التأمين الطبي. وتضمن بيان صدر من المؤسسة موقفها من هذه القضايا وغيرها، كما يلي:
- نظام التأمينات الاجتماعية السعودي قائم على تقديم منافع محدودة على سبيل الحصر على شكل معاشات وتعويضات مقابل اشتراكات محددة وقد تم تحديد قيمة الاشتراكات على أسس علمية لتكون قادرة على خلق مصادر لتمويل المنافع.
- إن إيرادات استثمار الاشتراكات هي المصدر الآخر الرئيسي لتمويل النظام وقد تم تحديد المنافع عند إنشاء النظام على هذا الأساس وبالتالي فإن هذه الأموال المتوفرة لدى المؤسسة حالياً لم تأتِ فجأة أو زيادة حتى يتم النظر أو المطالبة بتوزيعها على شكل مساعدات أو قروض بل هي مصدر أساسي لتمويل المعاشات حالياً ومستقبلياً وأن أي إخلال أو توجيه لهذه الأصول خارج منافع النظام المحددة يؤدي إلى الإخلال بالتوازن المالي للنظام.
- نظام التأمينات الاجتماعية بالمملكة يعد في أدبيات أنظمة التأمين الاجتماعي نظام حديث ومن الثابت في طبيعة هذه الأنظمة أن تتوفر لديها في العقود الأولى وفرة نقدية نتيجة زيادة عدد المشتركين مقارنةً بعدد المستفيدين (المتقاعدين) ثم تبدأ المعادلة تدريجياً في التحول سنة بعد أخرى نتيجة زيادة عدد المتقاعدين بحيث تتجاوز المصروفات الاشتراكات ثم يبدأ النظام الاستعانة بإيرادات الاستثمار لتمويل النقص في قدرة الاشتراكات على تمويل معاشات المتقاعدين، وهذا هو الأمر الحاصل في النظام بالمملكة حيث توفرت لدى المؤسسة أرصدة في بداية الثلاثين سنة الأولى من عمر النظام ثم بدأت المعاشات تزداد سنوياً بمعدلات تفوق بكثير الزيادة في الاشتراكات وتتوقع المؤسسة أن تحقق نقطة التعادل بين إيرادات الاشتراكات ومصروفات المعاشات خلال السنوات القليلة القادمة لتعتمد بعد ذلك على إيرادات الاستثمار لتمويل المعاشات. ولتأكيد ذلك فإن مصروفات فرع المعاشات خلال عام 2007م تصل إلى حوالي 65% من اشتراكات الفرع مما يؤكد حقيقة الأمر. كما أن معدل نمو المصروفات سنوياً يفوق معدل نمو الاشتراكات.
- أن نسبة الاشتراكات في فرع المعاشات من نظام التأمينات الاجتماعية وهي بنسبة 18% من الأجر الشهري يتم دفعها مناصفةً بين المشترك وصاحب العمل، ثبت لدى المؤسسة من خلال دراسات مالية واكتوارية قامت بها المؤسسة ذاتياً وأكدتها بيوت خبرة عالمية متخصصة أنها لا تكفي لتمويل المعاشات التي يقدمها النظام وبالتالي فإن النظام غير ممول بالكامل وهناك فجوة تمويلية مما يستدعي المزيد من الخوف والحذر في المحافظة على حقوق المشتركين المتوفرة حالياً لتمكين النظام من الوفاء بالتزاماته مستقبلاً.
- الحد الأدنى للمعاشات حالياً تم تحديده من قبل الدولة وفقها الله رعاية للفئة ذات الدخول المنخفضة من المتقاعدين من المواطنين واشتراكات هؤلاء واستثماراتها لا تمول إلا جزء محدود من معاشاتهم وبالتالي فإن أي رفع إضافي لهذه المعاشات سيفاقم من الضرر على النظام ويضعف قدرة المؤسسة في المستقبل على الوفاء بحقوق المشتركين الآخرين الذين دفعوا اشتراكاتهم.
- إن وضع حد أدنى للمعاشات يتوافق مع الحد الأدنى لمتطلبات المعيشة أمر على قدر كبير من الأهمية ولكن يلزم أن يسبق ذلك وجود حد أدنى للأجور الخاضعة للاشتراك فليس من المتصور وفق أبسط مبادئ التامين أن يكون المعاش التقاعدي أعلى من الأجر الخاضع للاشتراك لأن ذلك سيؤدي حتما وبسرعة إلى إفلاس ذلك النظام التأميني كما أن من غير المنطقي أن يكون دخل المتقاعد أعلى من دخل العامل وأن في ذلك مدعاة للبطالة، علما أن حوالي نصف المشتركين السعوديين بالنظام ممن هم على رأس العمل حالياً تقل رواتبهم الشهرية عن ثلاثة آلاف ريال.
- تأتي الزيادة الكبيرة في عدد المشتركين سنوياً في نظام التأمينات الاجتماعية من السعوديين كعامل سلبي وليس ايجابياً لتشكل ضغطاً مالياً كبيراً على النظام بسبب كون النظام غير ممول بالكامل نظرا لأن الاشتراكات الفعلية تقل عن قيمة الاشتراكات المفترضة لتمويل المعاشات وهذا ما تؤكده الدراسات التي تقوم بها المؤسسة بشكل مستمر لمتابعة النظام.
- أن تقديم القروض سواء للإسكان أو غيره أو تقديم خدمات أخرى كالتأمين الصحي يفترض أن يتم من خلال تقديم ميزة نسبية عبر خفض لتكلفة هذه القروض والخدمات (قروض وخدمات ميسرة) تنافس ما يتم تقديمه منها من خلال الجهات التجارية المتخصصة في تقديمها ولكن تلك التخفيضات ستكون على حساب إيرادات استثمار اشتراكات المشتركين مما يعني الإخلال بتوازن النظام مالياً الذي هو في الواقع بحاجة لتعزيزه بدلاً من المزيد من الضغط عليه.
- أنظمة التقاعد والتأمينات بالمملكة من الأنظمة القليلة في العالم التي تقدم التقاعد المبكر وهو يشكل حالياً ضغطاً مالياً كبيراً على النظام، والواقع أنه يتم استخدامه لغير الأغراض التي شرع من أجلها حيث إن التقاعد المبكر يفترض أن يكون لحالات فردية استثنائية ولا يعود المتقاعد للعمل بأي حال سواء كموظف أو صاحب عمل كما أن قيام العديد من الشركات وخصوصاً الكبرى بخفض جماعي لأعداد العاملين لديها من خلال منحهم مزايا لتشجيعهم على التقاعد المبكر قد رفع من إعداد المتقاعدين مبكراً ومن قيمة معاشاتهم التي أصبحت ترتفع بشكلٍ كبير وهذا يعني أن هذه الشركات تعيد هيكلة القوى العاملة لديها على حساب نظام التأمينات الاجتماعية مما يلحق الضرر بالمشتركين الآخرين بالصندوق ويخالف الأهداف التي من أجلها تمت إتاحة التقاعد المبكر.
- المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية توجه كافة إمكاناتها لخدمة الغرض الذي أنشئت من اجله وهو تنفيذ نظام التأمينات الاجتماعية، وقد حققت بحمد الله تطبيق النظام على جميع المنشآت أيا كان عدد العاملين بها وشملت التغطية التأمينية العاملين في مختلف أنحاء المملكة وانتشرت مكاتبها الواحد والعشرين في مختلف مناطق ومحافظات المملكة، واستفاد من خدماتها العدد الكبير من المشتركين وأسرهم وقد بلغ عدد المسجلين بالنظام حتى الآن (11.176.255) وعدد المشتركين على رأس العمل حالياً حوالي (3.627.142) وعدد من يستلمون معاشات شهرية من المؤسسة (200.000) كما بلغت قيمة المنافع التي صرفتها المؤسسة حتى الآن حوالي (47) مليار ريال.
والمؤسسة تعطي الجانب التأميني الأهمية والأولوية الكبرى في الوقت الذي تدرك فيه أهمية الجانب الاستثماري الذي يعد احد الأنشطة الرئيسية التي نص النظام على القيام بها وعلى أهميتها كمصدر أساسي لتمويل المنافع.
- وفي الختام فإن من أسعد الأمور لدى المؤسسة ومنسوبيها بل من أسهلها أن يتم رفع المعاشات وتقديم القروض والمساعدات وستجد المؤسسة كل الشكر والثناء من الجميع على ذلك ولكن هذا يتعارض مع مبادئ الأمانة والمسئولية الوطنية تجاه المشتركين ممن هم لا يزالون على رأس العمل والمشتركين في المستقبل لأن هذه الأموال هي حقوقهم وحقوق أسرهم من بعدهم مما يلزم المحافظة عليها وتنميتها لتقديمها لهم في وقتها كاملة غير منقوصة عند حلول شروط ومواعيد استحقاقها، وأن من أصعب الأمور على الفرد والأسرة والمجتمع والدولة أن يأتي الوقت الذي تعجز فيه أنظمة التأمين الاجتماعي عن دفع المعاشات لمستحقيها، وقد تكون وقتها الظروف المالية للدولة لا تمكن من سد العجز الحاصل في صندوق النظام.