د. محمد بن عبدالله المشوح
(إمتاع السامر بتكملة متعة الناظر)، هذا العنوان لكتاب مشهور، ومنذ صدوره لأكثر من عشرين عاماً والشكوك والظنون تدور حول مواضيع ومعلومات هذا الكتاب وصحتها ودقتها، حتى انبرت دارة الملك عبدالعزيز سنة 1419هـ وقامت بتحقيقه وتكليف الأستاذين عبدالرحمن الرويشد وعبدالله الحميد بذلك، وكانت لتلك الدراسة أثرها المبدئي في كشف الخلط والأخطاء الفادحة التي وقعت في الكتاب.
وفي سنة 1423ه ظهرت في الأسواق نسخة جديدة سُميت ب(الطبعة الثالثة للقسم الثاني من إمتاع السامر). ثم قامت الدارة مشكورة بعمل أميز من سابقه، وأسندت الكتاب إلى ثلاثة من المهتمين والمعنيين بتاريخ الجزيرة العربية وهم:
الأستاذ عبدالرحمن بن سليمان الرويشد والأستاذ محمد بن عبدالله الحميد والأستاذ فائز بن موسى البدراني الحربي، ثم بادرت مشكورة بطباعة القسم مع الدراسة والتعليق.
ولا شك أن القارئ والمطلع يدرك بعمق البون الشاسع بين التحقيق الأول والثاني للكتاب الذي امتازت فيه هذه الدراسة بالأمور التالية:
1- الدراسة الدقيقة لأصل الكتاب التي ضمت القسم الأول الذي جاء فيه ثماني ملحوظات:
1- المبحث الأول: المدلولات الشكلية للكتاب.
2- المبحث الثاني: مَن هو شعيب الدوسري؟
3- المبحث الثالث: متى ظهرت كتب إمتاع السامر؟
4- المبحث الرابع: مصادر إمتاع السامر ومراجعه.
5- المبحث الخامس: أهدافه وغاياته.
6- المبحث السادس: أهم الدلائل على اختلاق الأخبار.
7- المبحث السابع: أساليبه ومنهجه لتحقيق غاياته.
8- المبحث الثامن: موقف الباحثين منه.
وعلى الرغم من أهمية كون هذه الدراسة ضمنت في النسخة الأولى لإمتاع السامر المنشور في سنة 1423هـ من قِبل الدارة وعدم تناسبها مع القسم الثاني إلا أنها بالفعل جاءت أميز، أي في الدراسة والتعليق، بخلاف ما ورد من تعليقات على النصوص والحواشي التي جاءت أقل علمية وأضعف تركيزاً من القسم الأول من الدراسة، وهو ما سوف أشير إليه لاحقاً.
المبحث الأول:
المدلولات الشكلية للكتاب:
لقد استطاع الباحثون للكتاب أن يقدموا دلالة قطعية من خلال هذه المناقشة تؤكد ضعف القيمة الاعتبارية لكتاب إمتاع السامر الذي يظهر بالتردد الكبير من قِبل المؤلف المزعوم في الإشارة إلى طباعات الكتاب وتاريخ الطباعة إضافة إلى إشارة الدارسين إلى غياب وعدم كتابة اسم المطبعة ومكان الطباعة.
ولعل إشارات الدارسين الثلاثة إلى لغة الكتاب المعاصرة تكشف بجلاء معاصرة الكاتب وعدم صحة النسبة إلى المفترى عليه شعيب الدوسري المتوفى سنة 1364هـ/1944م، وكنت أتمنى وغيري من القراء بعد هذا الجهد من قِبل الباحثين أن يكشفوا سر هذا الكتاب ومَن يقف وراءه وما اسم الكاتب والمؤلف الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من معرفته إن لم يكن قد عُرف!
المبحث الثاني:
وهو عضيد لسابقه؛ حيث يكشف شخصية المؤلف المفترى عليه ونشأته وحياته التي جاءت متفقة مع الشعور الجلي بأن هذا الشخص لا يمكن بحال أن يكون هو صاحب إمتاع السامر.
إلا أن هناك بعض الملحوظات التي وردت في هذا المبحث، والتي تتلخص في الآتي:
1- عند الإشارة إلى زوجة شعيب الدوسري (حفيظة بنت إبراهيم العسيرية) التي أنجب منها ولده يحيى، وأنه الولد الوحيد لشعيب، وانتقاله مع زوج أمه الدكتور أحمد ياسين إلى سوريا، فلم يشر الأخوة الباحثون إلى يحيى، وهل هو حي يرزق أم توفي؟ وهل بقي له ذرية؟ مع أن المتبادر للذهن انقطاع ذريته إلا من ابنته مستورة زوجة حمزة إبراهيم غوث التي أنجبت ابنه خالد الذي التقى معه فريق التحقيق والدراسة.
2- عدم عنايتهم في التراجم والتعريف بعدد من الشخصيات التي استشهد بها الكتاب كما في هذا المبحث عند الحديث عن حمزة إبراهيم غوث، والاكتفاء بأنه سياسي معروف توفي سنة 1398هـ، وكانت هذه فرصة مناسبة للتوثيق من هذه الشخصية السياسية البارزة، ولاسيما أن الناشر مؤسسة علمية بحثية تاريخية هي دارة الملك عبدالعزيز، وقد ورد هذا كثيراً في ثنايا الدراسة.
أما ما يتعلق بالمبحث الثاني الذي لقي من الباحثين والدارسين الثلاثة عناية مهمة تمثلت في ملاحقة الكاتب لكثير من الأسماء التاريخية الوهمية التي أوردها والتي سماها مصادر ومراجع ولا ذكر لها ولا وجود، إلا أن المؤمل من الباحثين أيضاً أن يقدموا ترجمة موجزة للأسماء المتشابهة مثلاً في المخضوبي الذي أورد صاحب إمتاع السامر اسمه كثيراً ونسب إليه كتاب (المقتضب في إخبار من ذهب).
وقد أشاروا إلى أنه ليس المخضوبي الذي ترجم له الشيخ عبدالله البسام والأخ عبدالعزيز البراك، وكان المفترض حسب رأيي إيراد ترجمة الشيخ المخضوبي ليزول اللبس.
ولعل أعظم وأكبر دلالة على كذب النسبة لشعيب الدوسري وتلاعب وبهتان كاتبه بهذه النقولات هي تلك المصادر التي لا يعرف لها أحد أصلاً، بل إن عناوينها تكشف تلفيقها وتكفيه مؤونة الرد عليها.
أما المبحثان الخامس (أهداف الكتاب وغاياته) والسادس (أهم الدلائل على اختلاق الأخبار) فقد برز فيهما حقيقة الجهد الواضح من قِبل الباحثين في كشف حقيقة الكتاب والكاتب والدس والشبهات التي طغت على لغته من خلال عدد من النصوص الواردة.
إلا أنه يلحظ الآتي:
أ- يلحظ عند الإفادة عن أسرة آل عائض، والمبالغة التاريخية التي طغت في حديثه عن هذه الأسرة الكريمة، مع أنها تولت الإمارة من 1250 حتى 1340هـ، وكان مهماً في نظري الإحالة إلى مصادر تاريخية موثوقة تؤكد هذه المعلومة وتدحض مقولة امتداد مكنهم لأكثر من ألف سنة بدلاً من 90 سنة.
وهذا مع الأسف يتردد كثيراً في الكتاب، ففي نظري أن رد المعلومة ليس كافياً؛ بل المهم إيراد المعلومة الصحيحة أو على الأقل الإحالة إليها في مراجعها التاريخية، ولاسيما أنه وردت الإشارة أحيانا إلى بعض تلك المراجع التي حتما رجع إليها الباحثون مثلما ورد في صفحة (85) في التعليق لمعرفة المزيد من المراجع الموثقة للمعلومات التاريخية الصحيحة عن زعماء الدولة الجبرية. انظر التاريخ السياسي لإمارة الجبريية من عقد عبداللطيف الحميدان. أو أثناء إشارتهم إلى تحامل الكاتب على الإدريسي وخلافه مع آل عائض وإحالتهم لعدد من المراجع في ذلك.
إلا أن ذلك كان قليلاً في دراسة الكتاب.
وفي أثناء التعليق على نسبة آل صباح أشار المحققون في ذلك إلى معلومة شائعة، ولم يشيروا إلى رأيهم في تلك النسبة، واكتفوا بأنها معلومة شائعة!
أما ما أشار إليه صاحب إمتاع السامر المفترى عليه من تقول عن الإمام الشوكاني شأن المذهب الهادوي فكنت آمل من المحققين أن يولوا هذا الأمر عناية تحقيقية جادة، وأن يرجعوا إلى كثير من الدراسات التي عنيت بآراء وحياة الإمام محمد بن علي الشوكاني - رحمه الله - مثل:
1- محمد بن علي الشوكاني وجهوده التربوية للمؤلف صالح محمد صفير مقبل.
2- الإمام الشوكاني ومنهجه في أصول الفقه للدكتور شعبان محمد إسماعيل.
3- الإمام الشوكاني حياته وفكره للدكتور عبدالغني الشرجى.
4- معالم تجديد المنهج الفقهي (نموذج الشوكاني) لحليمة بوكروشة.
ب- يلاحظ عدم التركيز على الردود العلمية القاطعة لتلك المعلومات الخاطئة التي أوردها الكاتب المزعوم والاسترسال في العبارات الساخرة والمتهكمة على الكاتب ومعلوماته التي لا تليق بدراسة علمية جادة صادرة من جهة بحثية معتبرة.
والقارئ لا يمكن أن يقنعه تلك العبارات بقدر حرصه على الرد الموضوعي المدلل الذي حفل به الكتاب كثيراً، وذلك بجهود المحققين جزاهم الله خيراً.
ج- وددت أن يتم طباعة القسم الأول مع القسم الثاني المنشور من قِبل الدارة لتتم الفائدة الكبرى ويطلع القارئ على تلك الملاحقة العلمية الرصينة التي أبانت أخطاء الكاتب وافتراءاته.
وإذا كان هذا الجهد المقدم يبرز أحد إنجازات دارة الملك عبدالعزيز المتلاحقة في العناية بجانب مهم من الدراسات التي تتناول تاريخ الجزيرة العربية فإنني آمل أن يكون هذا نواة جهود بحثية أخرى وتحقيقات تتناول بعض الكتب التي عنيت بتاريخ الجزيرة العربية عموماً والمملكة العربية السعودية خصوصاً.
مقدراً الجهود الرائعة المقدمة من الأخوة الذين أهدوا هذا العمل المتميز إلى عشاق الحقيقة.