يخطئ كلُّ من يظن أن تكريس الميليشيات على واقع الأزمات يساعد في تحقيق الضبط والربط الضروريين للتعامل مع الأزمة، وتدريجها بعد ذلك إلى مكامن الاستقرار، بل على العكس من ذلك فان تفجير مارد الميليشيا بالتزامن مع سخونة الأوضاع السياسية والأمنية له دور سوداوي ومعروف في توسيع فجوة الاتصال بين الفرقاء، ومكونات الأوطان السياسية التي تعزف حينها عن مدخلات الحوار التوافقي إلى تحسس أزندة السلاح وإطلاق فوهات البنادق لإيصال أصواتها ومصالحها بشكل ترضى عن نتائجه وثماره الضيقة التي تتعدى الوطن إلى ما دون فلسفة المواطنة والاستقرار الجمعي.
في العالم العربي لدينا أمثلة جلية على أن الميليشا لم تساعد في يوم من الأيام في تهدئة الأوضاع، بل هي عامل رئيسي في تفجيرها، ولعل ما نشاهده اليوم من طلاق بين أجهزة الأمن العراقية والميليشيا المسلحة مثل ميليشا جيش المهدي وغوغائيتها في المجتمع، وما يحدث على أرض الواقع الفلسطيني, خير دليل على ما نرمي إلى إيصاله من فكرة عن سلبية وخطأ اللجوء إلى الميلييشا وإطلاق يدها في أمن المجتمعات, ذلك أن كل مابني على غير أساس من المتانة المؤسسية مصيره التشرذم والانحلال، والعودة بعد ذلك إلى إطار المصلحة السياسية والمذهبية التي يجب أن تنصهر في بوتقة المؤسسة الوطنية وتدمج بها وتنطوي تحت إطارها العام قبل أي تفكير في استغلالها او توظيفها لأي أغراض أمنية.
تظل ثقافة الميليشا وإقطاعيات السلاح الخاصة من أهم معضلات وإشكاليات الواقع العربي المعاصر التي تربض وتستكين على أرض واقعة متشبعة بقناعاتها المذهبية والطائفية، وهي بمثابة قنابل موقوتة لا يمكن ضمان الأمان من انفجارها إلى من خلال ترويضها في حظيرة الوطن، وتدجينها في نظامه السياسي الجامع الذي يجب أن يتخطى معضلة الاعتماد عليها واللعب بنهارها خلال الأزمات، ذاك أنه عندما يتعامل مع عناصرها وكوادرها وسلاحها فإنه لا يتعامل مع قائد مسلح أو جنود يرجعون الولاء إلى ساستهم وأمرائهم بقدر ما يتعامل مع مرجعياتهم المذهبية والطائفية وإرثهم التاريخي والمعرفي ونظرتهم السياسية والعامة، أيضاً إلى مسلمات القضايا وبديهات الأمور التي جبلت على الولاء المطلق للسيد والشيخ والمرجع قبل الولاء للوطن وأدبياته.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244