إن النظام القضائي في مجتمعنا وممارساته يتفق مع طبيعة الدولة كلية السلطة وكلية التعامل مع كافة أوجه الحياة، وفي جميع المجالات حيث يقوم على تقنين حركة المجتمع ومناشطه وفقاً لما فرضته الشريعة الإسلامية الغراء على كل الأنساق والمنظمات الاجتماعية والالتزام بمعطياتها وأحكامها.
ومن خصائص الشريعة الإسلامية أنها كلية - كما ذكرنا - تشمل جميع شؤون الحياة.. وتوجه مسلكيات الإنسان وعلاقاته ومناشطه كما تعمل على حماية المجتمع واستقراره، وتعرف بواعث الأوضاع الراهنة وتقويمها في اتجاه مصالح الناس وصالح المجتمع ودعم الإرادة السياسية والمنهجية الاقتصادية.. والخصوصية الثقافية وقيم العدالة الاجتماعية والقانونية.
هذه الأبعاد الغائبة في الشريعة الإسلامية الغراء نتمسك بها مهما بلغت التحديات التي أفرزتها العولمة وجسدتها اتجاهات قرية العولمة الواحدة. وهذا يجسد ما نحن فيه من عزة وكرامة في ظل قيادتنا الرشيدة التي تطبق شرع الله في جميع مناحي الحياة.
أكتب هذه السطور في مناسبة التقدير لقضائنا الشامخ.. وقضاتنا الأجلاء فهم المثل الأعلى والقدوة الصالحة في تطبيق أحكام شرع الله في مسائل جلب ما فيه منفعة للناس، ودفع ما فيه مضرة عن الدين أو النفس أو المال أو العقل أو النسل، وهذا يتفق مع الحقيقة والعدالة، وهو أحد الأسس التي يقوم عليها نظامنا القضائي.
ويطبق نظامنا هذا - الملتزم بأحكام الشريعة - على كل من تواجد على أرضنا سواء أَكان من المواطنين أو المقيمين وهذا هو أساس فكرة سيادة الدولة على أرضها.
ومما يجدر ذكره أن التشريع الجنائي الإسلامي يتميز عن التشريع الوضعي بكونه تشريعاً إلهياً يمكن العمل بموجبه في كل زمان ومكان، هذه الخاصية الاستمرارية تدفع إلى حياة الاستقرار الآمن في حماية حقوق الأفراد وأيضاً حماية حقوق الوطن من عبث العابثين والمفسدين كما يقضي بتنظيم شؤون الحياة وفقاً لما يتضمنه من مبادئ وقواعد ومثل أخلاقية تقي المجتمع من ربكة الجريمة ونواتج الانحرافات المعيارية والسلوكية التي تؤدي إلى التخلف الحضاري وموات الضمير وعطب النفس وسلبية الذات وعشوائية الأداء.
ويقول المختصون إن الشريعة الإسلامية تستهدف حماية المجتمع من المشروعات الإجرامية والانحرافية مما يستوجب وضع مخططات وقائية وعلاجية.
وإذا كان القضاء في ضوء التشريع الإسلامي يهتم بحماية المصالح الأساسية للمجتمع والتصدي لأي اعتداء يقع عليها فهو يقر العدالة في وقوع العقاب العادل وهو رد فعل طبيعي لوقوع الأذى وما يقابل ما يعانيه الضحية من آلام وإيذاء الذي سببه له الجاني.
ويتم إصلاح الجاني في الشريعة الإسلامية عن طريق توقيع العقاب المناسب للجرم المرتكب سواء كانت عقوبات حدية أو تعزيرية.
ومما يجدر ذكره أن عقوبات التعزير أو الحبس لا يقصد بها التعرض للشرف أو إهدار الكرامة أو هلاك الجاني وإنما يتوجب تناسبها مع حرمة وحالة الجاني الصحية والإنسانية وملابسات الجريمة.
ويؤكد علماء الشريعة على أن الهدف من العقاب هو العمل على حماية المصالح العليا في المجتمع التي تتمثل في الضرورات الخمس (الدين، والنفس، والعقل، والمال، والنسل).
وفي توقيع العقوبة يتوجب على القاضي معرفة العوامل المهيئة والمسببة للجريمة أخذاً بمبدأي التفريد في التناول والإنسانية في العطاء وهذا التوجه يستهدف البحث عن أسباب وقوع الجاني في هوة الانحراف لإمكانية وضع برامج العلاج المناسبة حتى يمكنه الاندماج في المجتمع والعودة لأسرته سليماً معافى وهذا يتفق مع قاعدة المسؤولية الجنائية ووجوبية إكسابها بعداً إنسانياً يضع في الاعتبار العوامل والمؤثرات التي نرى أهمية أن يعيرها القاضي اهتماماً باعتبارها مقياساً موضوعياً للمساءلة الجنائية، فقد يجد وراء الجريمة أسباباً وعوامل دفعت بارتكابها.
وفي ضوء ذلك قد يرى القاضي مناسباً إجراء بحوث نفسية واجتماعية للتعرف على كوامن الإجرام حتى يتيسر له وصف الداء والدواء معاً عن طريق حصر أسباب الجريمة والكشف عن وسائل الوقاية الناجعة والعلاج المناسب سواء كان نفسياً أو اجتماعياً أو حتى عقابياً ولذا أقترح في مرحلة تأهيل القاضي أن يدرس: علم الإجرام، وعلم النفس الجنائي، وعلم الاجتماع التطبيقي وعلم المشكلات الاجتماعية..
والله من وراء القصد؛ أدام الله علينا نعمة الأمن والأمان في ظل شريعتنا الغراء كتاب الله وسنة نبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم.