الموت حق، وكل الناس يموتون، والآجال مكتوبة، {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}.
انتقل إلى رحمة الله تعالى معالي الشيخ إبراهيم بن عبدالله العنقري رجل الإدارة والحكمة والشجاعة والقوة والإخلاص.. انتقل إلى رحمة الله الوزير المخلص الذي شغل عدة مناصب إدارية ذات طابع وأهمية خاصة، من أهمها وكيل وزارة الداخلية لعدة سنوات، ثم وزير للإعلام، وعلى يديه تم تأسيس عدة وكالات أنباء، في طليعتها وكالة الأنباء السعودية. كما قام - يرحمه الله - بإعادة هيكلة الوزارة ودعمها بالكفاءات الوطنية المخلصة، وبعد ذلك شغل منصب وزير الشؤون البلدية والقروية، فوزير العمل والشؤون الاجتماعية، وكان لمعاليه الكثير من الجهود والبصمات في تحسين أداء تلك الوزارات ومعالجة ما كانت تعانيه من نقص في هياكلها الإدارية والتنظيمية.
لقد تشرفت بالعمل مع معاليه في وزارة الداخلية مديراً عاماً للشؤون المالية عدة سنوات.. تعلمت من معاليه خلال تلك الفترة الجد والإخلاص في العمل.. والدقة مع سرعة الإنجاز.. وقد كان - يرحمه الله - بمثابة السراج الذي نسير على ضوئه في إدارة العمل.. تعلمنا منه حسن التعامل مع المراجعين وذوي العلاقة وتعلمنا منه الصدق في القول والعمل.. والإخلاص.. ونظافة اليد واللسان.
لقد كان - يرحمه الله - دقيقاً في العمل، يشجع المجتهد ويأخذ بيده، ويوجه المتقاعس ويرشده إلى سبل النجاح في العمل. لم أعرف أنه في يوم قال لي: لاحظوا العطاء الفلاني أو المؤسسة الفلانية، وإنما كان دائماً يؤكد علينا أن نراعي الله في أعمالنا، ونطبق الأنظمة والتعليمات المرعية. كان شجاعاً في اتخاذ القرار المناسب، وذات مرة أمر بتشكيل لجنة برئاستي لدراسة وضع معاملة مالية كانت موضع ملاحظة من قبل الممثل المالي، وكنت ساعتها رئيساً لقسم المصروفات بالوزارة، ودرست اللجنة المعاملة واتخذت بشأنها توصية تقضي بحسم مبالغ على المتعهد ناتجة من فروق أسعار في تلك المستندات المرفقة بالمعاملة، ورفعنا التوصية إلى سعادة الشيخ إبراهيم آنذاك؛ كونه وكيل الوزارة. وفي أثناء ذلك صدر أمر بتكليفي بالقيام بإدارة الشؤون المالية، وقدم المتعهد تظلماً من توصيات اللجنة، وأحيل التظلم إليّ باعتباري أقوم بأعمال مدير الشؤون المالية، وأخذت ذلك التظلم وقابلت الشيخ إبراهيم وشرحت له وجهة نظري حيال ذلك التظلم.. وطلبت منه إعفائي من الاشتراك في اللجنة المراد تشكيلها للنظر في تظلم المذكور؛ لأن رأيي في هذه المعاملة لا يمكن أن تغيره الكراسي؛ فأعفاني من ذلك، ودُرست المعاملة من قبل اللجنة، وأوصت بتطبيق توصيات اللجنة السابقة، وتم الحسم على المقاول.
لقد كان - يرحمه الله - يقدر الأمور حق قدرها، ويضع الشيء في وضعه الصحيح.. ويعمل على إظهار الحقيقة، وإحقاق الحق.. رحم الله أبا مازن وأسبغ عليه شآبيب رحمته ورضوانه.. ولا نقول إلا ما يقوله الصابرون:
(إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ).