في زمن أصبح فيه التميز ضرورة من ضروريات الحياة، واشتد فيه التنافس على القمة، وفي عصر لا مكان فيه لمن يجلس في زاويته معتزلا العالم ومتجاهلا ما يدور حوله من أحداث، في هذا الزمن، أضحت التقنية علامة فارقة بين التقدم والتخلف، وأضحى التعليم العامل الرئيس في صناعة الحضارة.
لقد بدأنا ندرك في إطار المتغيرات السريعة في العصر ما سبقنا به غيرنا، وهو أن ثروة الأمم الحقيقية لم تعد خارج الإنسان من آبار نفط وأراض زراعية وغيره، بل تكمن الثروة الحقيقية داخل الإنسان وعقله وفكره. وقد جاء اهتمام سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ممثلا في مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم العام شاهدا على هذا الاهتمام.
لقد تغيرت الغاية والأهداف من العملية التعليمية مرات عديدة ومرت بمراحل مختلفة. فقد كان التعليم التقليدي الذي استمر مدة طويلة، يعتمد على الكم والحفظ وآلية التلقين. حيث كان الطالب متلقيا فقط، وكان المدرس يحمل العبء الكامل في العملية التعليمية. وقد أثبتت هذه الطريقة نجاحها في الزمن الماضي لعدة أسباب أهمها، صعوبة الوصول إلى المعلومة وعدم توافر الموسوعات والمراجع الكافية، وكانت تكاليف حفظ المعلومة تحريريا مكلفة، وكان الحفظ هو الأساس. أما الهدف من التعليم فلم يكن سوى التعليم البحت، في حين كانت تقاس النتائج بالكم.
وفي فترات لاحقة تطور التعليم إلى ما يسمى التعليم من أجل التوظيف، حيث أصبح الهدف من التعليم مواكبة احتياجات سوق العمل، وبناء موظف يستطيع أن يخدم الاقتصاد المحلي والإقليمي والعالمي. وهذا التعليم مقبول في الفترة الحالية ويلبي طموحاتنا نوعا ما إذا تم تطبيقه بالطريقة المثلى.
ولكن الطموح الأكبر هو أن نسبق زمننا، فمع هذا الانفجار الهائل في ثورة المعلومات، ومع سهولة الوصول إلى المعلومة وسرعتها، والعولمة السريعة التي تصيب عالمنا يوميا، لماذا لا يصبح الهدف من تعليمنا هو بناء مواطن عالمي ملتزم بثوابته العربية والإسلامية، قادر على التأثير والتغيير في الساحة السياسية والاقتصادية العالمية؟ فمع هذا التغير في العالم، أصبح واجبا أن يكون التعليم تدريبا على المهارات المكتسبة، مثل مهارة البحث عن المعلومة، ومهارة السؤال الجيد والعمل في فريق، والأهم من ذلك استغلال الموارد والمعلومات بالشكل الصحيح.
للوصول إلى هذا الأسلوب، يجب أن نعيد النظر في العملية التعليمية ككل، بدءا من المعلمين إلى الوسائل التعليمية، ومن دور الطالب، إلى مسؤوليات مدير المدرسة. إن الوظائف التي كانت يوما من الأيام تحتاج إلى تأهيل ثانوي، أصبحت اليوم تتطلب شهادة جامعية، وقس على ذلك ما شئت.
إن إصلاح ملف ضخم مثل ملف التعليم يجب أن يكون بعيدا عن أي نوع من أنواع الاستعجال، فإن النتائج الكاملة لن تظهر إلا في فترة أقلها 10 سنوات إن لم يكن أكثر. علينا أن نعترف بأن هناك خللا واضحا في سير العملية التعليمية في بلادنا، وإن إضافة طبقات جديدة من البيروقراطية والتعقيد بالتأكيد لن تكون هي الحل.