ردود الفعل التي ظهرت من طرف عدد من القراء الكرام، والمتابعين لهذه القضية، والمهمومين بهمّ الجريمة في المجتمع، هي التي دفعتني للعودة والكتابة في هذا الموضوع مرة أخرى.. كتبت يوم الأحد الفارط (3 فبراير 2008م) مقالاً تحت عنوان: (وهل ترحل الجريمة مع رحيل البنغالة؟)....
....وكنت أعرض فيه، وجهة نظري الخاصة، من كون الجريمة في بلادنا، أصبحت تعرف بالبنغالة، ويعرف البنغالة بها، لعدة أسباب.. أول هذه الأسباب، هو كثرة عدد هذه العمالة في البلد، حيث فاق عدد الجاليات الأخرى كما أظن، وثانيها هو فقر بلد المصدر ورخص المُستقدم منها، وكذلك تدني مستواه على كافة الصعد، وثالثها هو تنوع وكثرة عدد الجرائم، وسطوة هذه الجالية عليها.. لكن بطبيعة الحال، ليس كل البنغالة مجرمين وفسدة، كما أنه ليس كل السعوديين والمصريين والهنود والأفارقة مجرمين وفسقة، وإن طغى جرم وفساد البنغالة، فهذه حالة ينبغي معالجتها من زاويتها، دون تسليم لإملاءات عاطفية، أو تجريم لمئة وخمسين مليون بنغالي، ولا حتى مليون ونصف المليون منهم في بلادنا.. أرجعت أساس المشكل في مقالي سالف الذكر، إلى تركيبة العقلية الاستثمارية عند كثير من السعوديين، الذين يجعلون من قضية الاستقدام تجارة، ويستثمرون في تسييب العمالة، وفي التكسب من عرقها، وقد يعمد بعضهم إلى تسخيرها في مباشرة الجريمة، ومن ثم حماية السراق والمروجين والمجرمين، والتستر عليهم، والتحايل على بقاء العناصر المخالفة، واستمرارها في جرمها وفسادها.
* هذا كله في المقال وأكثر، ومع ذلك، لم أسلم من سوء الفهم، ولم أنج من سوء الظن، ولا حتى من شخصنة الموضوع، وبدا لي أن بعض الإخوة، ربما يكتفي بقراءة عنوان المقال، فيشرع في الرد دون فهم لمحتواه، فهذا أحد الإخوة يسألني ويقول: (اعترف.. كم عاملاً بنغالياً عندك؟)..! وآخر يقول: (أكيد.. لك مصلحة مع البنغال، أو إنك سعودي طيب)، وثالث يعترف بموضوعية المقال، لكنه يربط بينها وبين ما يراه غير ذلك فيما أكتب عن الإرهاب.. إلى غير ذلك.
* أولاً أقسم.. أن ليس عندي عامل واحد بنغالي، ولا مصلحة لي مع هؤلاء أو غيرهم.. مصلحتي الوحيدة هي مع وطني ومجتمعي، أنا منحاز بكلي لبلدي ومجتمعي، ولن يجرؤ أحد مهما كان، على المزايدة عليَّ في هذا الأمر.
* ثانياً: لو حكّمنا العقل بعض الوقت، لوجدنا أنه من العدل والإنصاف، وفي ظاهرة الجريمة والفساد بالذات، محاسبة أنفسنا (نحن) السعوديين قبل أي جنسية أخرى، لأننا نحن الذين أتينا بالبنغالة وغير البنغالة إلى بلادنا، ولأننا كنا في خير وأمن وسلام، لو بادرنا إلى تعليم وتدريب أنفسنا منذ سنوات طويلة، وكنا في خير كثير، لو أننا حدّثنا مناهجنا، وطوّرنا مقرراتنا، وعولمنا جامعاتنا، ونشرنا معاهد التدريب، وأكثرنا من معامل التصنيع، وجعلنا الحرفة والمهنة، في صلب ثقافتنا، وفي قمة اهتماماتنا، ولم نستنزف جهودنا وأموالنا وأوقاتنا، في تكريس التعليم النظري، وفي معاداة ومجافاة العلوم الأخرى.
* من بين عدد من التعليقات التي اطلعت عليها يومي الأحد والاثنين في رسائلSMS، وفي تعليقات مقالات الجزيرة، أجد من المناسب هنا، عرض أربعة نماذج، أرى فيها تطويراً لفكرة المعالجة، وتنويراً لفهم الموقف الذي يلف هذه القضية، التي أضحت حالة (بنغاسعودية)، تستهوي الكُتَّاب والقراء على حد سواء :
* قال الموقِّع باسم (الميكانيكي):
* هناك معلومة لم توردها، وهي أن البنغالة، يشترون (الفيزة) بمبلغ عشرة آلاف ريال.. أولاً: من يبيع هذه (الفيزة) خائن لمجتمعه ولبلده.. أعرف شخصاً تراكمت عليه الديون، وباع (فيزة) سائق بعشرة آلاف ريال. ثانياً: شخص يدفع مثل هذا المبلغ في دولة فقيرة، ليحضر إلى أرض الحلم، ثم يُفاجأ بغير ذلك.. ماذا تريده أن يفعل، وهو مطالب بتسديد ما عليه في بلده..؟ وزملاؤه هنا لا بد أن يسددوا ما عليه بأي طريقة كانت.. ثم يبدأ بالتوفير.. فماذا تريده أن يفعل، والطلب للعمالة والعمل أقل بكثير من المعروض..؟ أليست الحكومة البنغالية مسئولة مسئولية مباشرة، عن توعية جالياتها قبل قدومهم..؟ ولكن دولتهم بدون أنظمة، ولا انضباط، وفيها فوضى عارمة، والرشوة منتشرة لإلغاء القانون حسب إفادتهم لنا، لكن في دولة مثل الهند، يُوجد نظام، ورعايا الهند أكثر التزاماً بالأنظمة، لأنهم تربوا عليها.. قارن بين الرعايا للدول الأخرى مثل الفلبين وباكستان ورعايا بعض الدول العربية وبين الهنود، في الالتزام بالأنظمة..
* وقال (سعد بن عبد الله التميمي):
* لا شك أن في المثالية بُعداً عن الواقع، وما كتبته وما أكتبه من رد مسؤولية أمام الله.. وأنا مسئول عن كل حرف كتبته أو نطقته، لا أتزين بفكر نمطي.. ممكن أن أكيّفه حسب رغبتي، ليرى ما أكتب أنه تميُّز وفكر.. ومع اختلافي التام مع أفكارك دائماً، إلا أنك صدقت في عدم جواز التعميم على البنغال.. لكن هل نحمّل مسؤولية ما يحدث للنظام الجنائي أو نظام البيع؟ كن صريحاً وأطلق عبارات أوضح وأدق، أن نقبض على بنغال يسرقون ونسلمهم للشرطة، فيطلقون بعد ساعات من المسؤول؟ أنت حمّلت الكفلاء نسبة، والنظام نسبة، لكن هذه العمالة رديئة.. تخيّل أنه يقول لك يا مدير.. ما معناها بالبنغالي؟ إنها (.....)..! يطلقونها علينا جميعاً، وستلاحظها تُقال لك من البنغالي.. حللوا سرقة السعودي والخليجي، وإباحة ماله ودمه، عن طريق مشايخهم، يعني أي التماس منك أو قول أو لفظ مردود وغير مقبول، ثم منهجية الرد عنهم مرفوضة.. ألا تعلم أن ماليزيا والكويت، وجدوا أذى كبيراً واستغنوا عنهم؟ لماذا هذا الحرص أخي؟ أكثر من 800 جريمة شهرياً، والموضة الجديدة، (طرارة) عمال البلدية.. سرقة البيوت، فأرجو الابتعاد عن الدفاع عنهم.
* وقال (محمد القرني):
* يا أخي الجريمة ليس لها جنس ولا جنسية، ولكن الوضع يقاس بالنسب، وما يظهر لنا من جرائم، يحتل البنغال النسبة العليا فيها، ثم الأفارقة والفلبينيون والإندونيسيون، وكذلك جاليات أجنبية وعربية يعج بها مجتمعنا بسبب التستر، في ظل غياب المراقبة من جانب البلدية والجوازات، المسئولة أولاً عن هذه الظاهرة، وما ذكر في الأيام السابقة، جزء من عواقب اعتمادنا على العمالة الأجنبية، بحجة الكفاءة والخبرة، التي نستطيع تعليم وتدريب أبنائنا عليها، وبسبب رخص أجورها، فماذا يضر لو أعطينا أبناءنا أجوراً كبيرة، تتناسب مع المعيشة، لأنه سيعود لداخل أسواقنا..؟ أما ما يقبضه الأجنبي، فهو سيرحل قبله عبر الحوالات البنكية، التي لا تكف عن استنزاف اقتصادنا، ثم انظر الجانب الأخلاقي والاجتماعي، الذي لوثوه بأفكارهم وعاداتهم، التي امتدت لقصات شبابية، وجينزات وسلاسل ومكاييج، وتكسُّر وميوعة، بسبب تقليد شبابنا لهم وتطبُّعهم بطباعهم، وتمرد من قبل الشباب والفتيات على ثوابتنا الدينية وعاداتنا القيمة.. ليس هناك حل، إلا في إعادة خفض استقدام الأجانب، وتدريب المواطنين، ووضع نظام بحوافز مالية ومعنوية مشجِّعة، تضمن لهم المستقبل والاستمرار في العمل، وإعادة حصر العمالة الموجودة في البلاد، ومتابعة أوضاعها أمنياً ومهنياً وأخلاقياً.
* وقال (عبد الله الغامدي - موظف متقاعد):
* المجرم الحقيقي، هو تاجر التأشيرات السعودي، الذي يستقدم العمالة ويتركها سائبة في الشوارع، تبحث عن الكسب الحلال أو الحرام.. إن الحل بيد وزارة العمل، وهو منع التأشيرات عن هذه الفئة من المواطنين، فمن لديه بقالة، فليعمل بها أو يوظف بائعاً سعودياً، ومن لديه مؤسسة مقاولات، فعليه إدارة العمال الذين تحت كفالته بنفسه، وأي عامل يعمل في موقع بدون عقد عمل، يُرحَّل ويُغرَّم من قام بتشغيله. الوضع لدينا غير منظم، ويحتاج إلى إعادة تنظيم.. البقالات والمفروشات والملابس، يجب أن لا يعمل بها إلا سعوديون.. العامل الذي يعمل في غير موقع عمله، يُسفَّر وعلى نفقة كفيله، أما العمال الذين يرتكبون جرائم، فيجب تسفيرهم، وإذا تكرر الفعل من عمال آخرين وكفيلهم واحد، يحرم الكفيل من الاستقدام.
* هذه جملة من وجهات نظر بعض الإخوة، أتفق مع بعضها، وأختلف مع البعض الآخر، وقد قلت رأيي في رأس هذا المقال، وفي المقال السابق له.
assahm@maktoob.com