بعد قدوم شبكة (الإنترنت) إلى المنطقة العربية وانتشارها على المستويات الرسمية والشعبية، توالدت المنتديات الحوارية والملتقيات الفكرية، فصارت هناك ميادين تجارية للوسائل الإعلامية والمنابر الثقافية في الطرح والنقد والحوار واللغة المباشرة والخطاب المتباين.
في خضم ذلك سمعنا ب(الصعاليك الجُدد)، فقيل إنهم (كُتاب الإنترنت)، الذين يشتركون مع الصعاليك القدامى (الجاهليين) في التخفي وراء الأسماء المستعارة، والجرأة وقول الحق أو تزوير الباطل، وكذلك التمرد على النظام الاجتماعي القائم، ومغايرة الأنماط السائدة. في مجال آخر سمعنا عن (الخوارج الجُدُد) بعد أحداث الإرهاب الأخيرة التي عاشها العالم أجمع والوطن العربي والمملكة تحديداً، وهم فئة من غلاة الإسلاميين الذين نزعوا إلى الغلو الديني ومارسوا التكفير في أوساط الأمة وضد أنظمتها القائمة، وأولوا النصوص الشرعية بما يسوغ إجرامهم، وخرجوا عن إجماع علماء الأمة المعتبرين بفتنة دموية كانت نائمة، فسلكوا سلوك الخوارج القدامى باستباحة الدماء المعصومة من مؤمنة ومستأمنة، وزعزعوا أمن الأوطان وروعوا الآمنين.
أيضاً سمعنا عن (الليبراليين الجُدد) الذين كشفوا عن أنفسهم بعد ان علت عقيرة الإعلام الغربي ضد الإسلام، وزحفت جيوش الهيمنة الأمريكية إلى العالم الإسلامي، فظهروا بين طوابير التبعية الحضارية دعاة لليبرالية المنقذة، وهم من بقايا القوميين والناصريين وفلول اليسار العربي، الذين تنكروا لأمتهم وداسوا على تاريخهم النضالي عندما كانوا في خندق المقاومة مع أوطانهم ضد المستعمر، وراحوا يسوقون لفكر وافد ضد الفكر السائد تحت حراب القوات الغربية، مشكلين أطياف الدعاية الرخيصة لبث الأفكار الأمريكية في المنطقة وتسويق مشاريع إدارة البيت الأبيض، كما سمعنا عن (القرآنيين الجُدد) وهم على خلاف الأوائل الذين زعموا أنه لا وحي إلا القرآن وان السنة الشريفة ليست من مصادر التشريع وحجج الاحتكام، فالجُدد زادوا على هذا الشطط أن دعوا إلى تفسير القرآن من جديد، وأن تفاسير وشروحات الأوائل من علماء المسلمين ليست مقدسة، بل يمكن نقضها ورفضها وتغييرها بالكلية بما ينسجم مع طبيعة العصر الذي نعيش فيه، بل يرون أن لكل مسلم عاقل أن يفسر القرآن بطريقته، وأن لا يرهن عقله لعالم أو مفسر عاش في زمن اختلف فيه الحال عن عصرنا الحالي بشكل كبير، حتى لو كان (ترجمان القرآن) وأحد أعلام الصحابة الكرام.
كذلك سمعنا وصف (الدعاة الجدد) الذي أطلق على مجموعة من الدعاة (الشباب)، الذين اختلفوا بأسلوب طرحهم العصري، وهيئة منظرهم التي قد لا تتوافق مع السنة المعروفة، وطريقة تفكيرهم المغاير عن الدعاة التقليديين، فكانوا حديث الناس واهتمام الشباب ونجوم الإعلام.
نعم سمعنا عن أولئك وعرفنا قولهم وشاهدنا فعلهم ولمسنا أثرهم.. غير أننا لم نعرف بعد من هم (المثقفون الجدد) الذين يجوسون خلال واقعنا العربي والإسلامي! رغم أنهم يعيشون بيننا ويطلون علينا عبر وسائل إعلام العرب والعجم، ويكتبون هنا وهناك.. فمن هم؟ هل يكونون ممن يظهر الوطنية ويخفي العمالة، أو ممن يزعم نصر الإسلام وهو ينخر في فكره ويحاول اختراق مجتمعه بأفكار غربية أقل مايقال عنها خبيثة الغاية سيئة الوسيلة؟ أم هم بعض قادة الفكر والرأي في عالمنا العربي الذين يزيفون وعي الأمة عبر الفضائيات العربية بأكذوبة الحرية ونزعة الإنسانية ولعبة الديمقراطية؟ أم هم باعة الدين من علماء الدنيا الذين يفتون لتجهيل الأمة وتمييع الدين ودفع شبابها للانحراف عن جادة الإسلام سواء بالإفراط أو التفريط؟ أم هم ممن أمسك بتلابيب إعلام العرب عبر فضائياته التي تغطي السماء الصافية، فزج بالأجساد الناعمة وابتكر البرامج الماجنة على مدار الساعة وكأن أمتنا في عرس لا ينقطع صخبه أو يظهر له صبح؟ أم هم خليط من كل فريق؟ الله أعلم، والله يحفظ بلادي وكل بلاد المسلمين من ثقافتهم.
kanaan999@hotmail.com