عاطلون عن العمل، متعطلون، فئة البطالة، فقدان البوصلة للتعايش مع مجتمع سوي، تختلف التسميات والمقصود واحد والنتائج تبدو متشابهة، ليس من السهل إيجاد تعريف شامل ومختصر لهذه القضية ولكنها بالاتفاق العام عملية مجتمعية غير مقصودة ولا يحكم وجودها خطط ممنهجة،
وفي أغلب الأوقات تتحمل أسبابها وتبعاتها جهات كثيرة، تدفع الشباب رغماً إلى الانحراف وتفتح أمامهم أبواب الفراغ وارتكاب المنافي للأخلاق بل يرجح أكثر الخبراء الاجتماعيين والاقتصاديين أن أهم أسباب تفشي الجريمة وحالة الركود الاقتصادي والتردي الاجتماعي هو استفحال ظاهرة البطالة، تلك الظاهره التي أخذت شكلاً بات يثقل كاهل أي مجتمع بأفراد متقاعسين من دون مشيئتهم بل تزيد من مشكلات المجتمع وتسبب تدهوراً اقتصادياً لتنخر في جسده آفاتٍ وخراباً اجتماعياً وحتى فساداً إدارياً، سيقود الوضع العام المتفاقم على مختلف صعده نحو آفاق أكثر كارثية، تفتح البطالة أبواب الجريمة على مصراعيها أمام الشباب الذين يبحثون عن واقع يقيهم مستقبل الضياع والاغتراب وهم في الوطن، وعوائد الكارثة حينها تتجلى بأبهى صورها على خريطة الواقع الحياتي اليومي المعاش، من المسؤول عن ارتفاع معدلات البطالة؟ ولماذا تبدو الأرقام أكثر جسامة بين صفوف حملة الشهادات العليا والمعاهد، ومن تم تصنيفهم بغير المؤهلين من حملة الثانوية العامة وأقل؟ من يقف وراء كل ذلك؟ لمَ شريحة الشباب هي المستهدفة في هذه المعضلة؟ شباب كثيرون لهم آمال وآلام مشتركة يبحثون تائهين من فراغ لفراغ وشبح البطالة يطاردهم بعواقبها السيئة، يتساءلون: إلى متى سنمضي لمصيرنا المجهول ومستقبلنا الحائر؟
عادة يشعر الشاب أنه مهمش ومستقصى من الخريطة السياسية والاقتصادية ويكرر بأن مشكلاته المستعصية هي بالنسبة للمسؤولين قضايا تافهة لا تستحق وقت المسؤولين فيجدون أنفسهم بين مطرقة واقع مؤلم، وصراع اجتماعي لا يرحم وسندان قوانين لا توليهم الاهتمام المطلوب فيبحثون عن البدائل التي ربما تشمل ما لا يحمد عقباه لا للشاب نفسه ولا للمجتمع عموما. فمن المعلوم أن استمرار الشاب في أزمة اقتصادية نتيجة عدم توفر فرصة عمل له وترافق ذلك بشعور أنه عاطل عن العمل حيث لا يجد ثمن مصروفه الشخصي اليومي ولا التمويل الكافي لبناء مشاريع صغيرة تقيه شر مشكلات كثيرة أخرى، كذلك الضغوطات الاجتماعية والأزمات الاقتصادية والشعور النفسي الذي يعيشه معظم شبابنا شئنا أم أبينا (بأننا نقبع فوق أغنى بقعة أرض في العالم ببترولها وخيراتها ولا نجد ما نعتاشه) كل ذلك يصيب الشباب بحالة يأس وإحباط شديدين يولد في نفسه شعور عدم الثقة بالنفس وبالآخرين وبالمجتمع عموما ويدفعه ذلك إلى الشعور بحالة اللا انتماء لبيئته فيجد نفسه أمام خيارات أحلاها مر، تبدأ بحالة انتقام شديدة إما من نفسه حيث يعتزل واقعه وتكثر عقده النفسية، أو من مجتمعه.
الحلول كثيرة والفرص متاحة إن أردنا تجنيب المجتمع عواقب كارثية الكل بغنى عنها، منها إصدار نظام يمنح العاطل عن العمل راتباً لتأمين مستلزماته الشخصية درءاً لمشكلات كثيرة ومحاربةً للهجرة من القرى إلى المدن من خلال تحسين الواقع المعيشي عبر آليات مختلفة وذلك كبديل وقتي حالما يتم توفير الوظائف الثابتة لهم، بالإضافة لوجوب وضع الفرد المناسب في مكانه المناسب. وتخفيض سن التقاعد وإيقاف تمديد خدمات من تجاوزت خدمته سنوات التقاعد، ووضع خطة زمنية تدريجية لإحلال الشباب السعودي محل أقرانهم من الجنسيات الأخرى في جميع المجالات دون استثناء، وإلزام البنوك بتقديم قروض صغيره بفوائد قليلة لتشجيع الشباب على إنشاء مشاريع خاصة مع تقديم الدولة ضمانات للبنوك عن تلك القروض بموجب رهن المشروع لصالح الدولة حتى يتم تسديد كامل القرض.
الوضع برمته يتطلب القيام بعملية إصلاح شاملة على مختلف مستويات البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية من خلال وضع خطوط عريضة لإصلاح القطاع العام للقضاء على البيروقراطية والروتين الذي ينخر الجسد الاقتصادي ويدمر بنيته على أن تقوم مختلف الجهات بتفعيلها.
dr.aobaid@gmail.com