يختلف الناس في توجيه الثروة ومصارفها، وهو اختلاف يجيء حسب التربية والبيئة والمحيطين بالرجل الثري الذي يستطيع أن يتحكم في ثروته؛ فبعضهم إذا جاءته الثروة يفكر في ثيبات وأبكار أو نوق وبكار وفحل وسيارة تقطع الفيافي والرمال بأمان؛ وبعضهم يفكر في عمل خير وإحسان يبقى له ولذريته من بعده؛ كأن يبني داراً للعجزة أو الفقراء أو مستشفى أو نحوه؛ وبعضهم يتجه لما له نفع أكثر ويبقى زمناً أطول كالمساجد ودور العلم ونحوها؛ وكل له من نيته أجر ونصيب.
وقبل مدة دعيت من قبل أسرة الجميح لحفل توزيع جائزة الجميح بشقراء لتكريم المتفوقين هناك، وكما نعلم أن أسرة الجميح تبذل الكثير في سبيل إحياء مدينة شقراء وتكثير المشروعات الخيرية فيها؛ ابتداء من جمعيات البر الخيرية وبناء المساجد وانتهاء بالمساعدة أو تبني المشروعات للبنية التحتية لشقراء كمساهمة منهم لمدينتهم العريقة تاريخاً ومجتمعاً وموقعاً.
والداخل لشقراء سيرى للعيان مسجداً ضخماً وكبيراً في شرقها الجنوبي ناحية الجبل، وهو مسجد هالني شكله من الخارج؛ فدخلت فيه للاطلاع قبل حلول وقت الصلاة، فرأيته مختلف تماماً عن غيره من ناحية الاعتناء بهندسته وتقسيم مداخله ومخارجه ومواقف السيارات خلفه.
ولما سألت عنه قيل لي: إن رجلاً من أسرة المهنا من بني زيد من أهل شقراء هو الذي قام ببناء هذا المسجد تبرعاً منه لأهل مدينته، وصدفة حينما كنت في زيارة لأبي زكي الشيخ عبدالعزيز الشويعر قابلت رجلاً يبدو عليه الهدوء والحذر في اختيار عباراته، فعرفني عليه أبو زكي قائلاً: هذا أبو محمد عبدالعزيز بن إبراهيم المهنا من أهل شقراء.
فعرفت أنه هو الذي بنى المسجد وسألته عنه فقال: نعم لقد كلفني أكثر من عشرين مليون ريال، وهو يتسع لستة آلاف مصلٍ، وفيه مغسلة للأموات تستطيع في آن واحد أن يغسل فيها خمس عشرة جنازة للرجال ومثلها للنساء، وبه مكتبة ضخمة فيها الكثير من أمهات الكتب الدينية والأدبية والتاريخية، ولازلنا نبحث عن تزويد المكتبة بأكثر مما تحتوي عليه الآن.
أعتقد شخصياً أن عملاً مثل هذا عمل جبار ويستحق الإشادة والشكر لمن قام به فعلاً، لأني سمعت عبارة من أبي محمد جزاه الله خيراً، حيث قال لما أنهى حديثه: والله لا تحسون بالمتعة والراحة النفسية التي أحس بها بعد أن انتهى البناء والتشييد وأنا حي أرزق، فعلاً أنا أشعر براحة كبيرة وغير آسف على ما أنفقته من ملايين ستكون هي رصيدي الحقيقي بإذن الله.
هنا وقفت أفكر جيداً في الأموال والثروات الهائلة عند الأثرياء الذين بعضهم يصرفها في غير طريق الخير، وقد يستمتع بها حياً وإذا ما مات يموت ذكره وتوزع ثروته في يوم وليلة بين الورثة وهي التي جمعها في عمر طويل.
جزى الله أسرة المهنا خير الجزاء على هذا العمل الخيري الضخم، ولازالت الدنيا بخير ولها رجال يقفون مواقف الشرف والرجولة.
فاكس 2372911
abo_hamra@hotmail.com