هي المجمعة كما العهد بها قصة أمس خالدة وملحمة حاضر مشرق.. لم تدخل التاريخ بمحض الصدف بل ساهمت في صنعه وكتابته، فهي جوهرة ثمينة ونادرة في جبين نجد بل يحق لها أن تكون وبامتياز ماسة نجد، وكأني بشاعرنا القديم قد أدرك واستشعر بحسه المرهف وهو يناجي صبا نجد بأنها لامست هضاب ورياض المجمعة حيث تناغمت ريح الصبا مع عبق وسحر وجاذبية المكان لتصل إليه فتزيده وجدا على وجد.
إنها المجمعة ذلك الحاضن الكبير لكل ضيف ولكل طيف وهي الرقم الصعب في الذاكرة حيث لا يمكنك تناسيه أو القفز عليه أو إسقاطه بحكم التقادم، فقدرك أن تبقى معك طال مقامك بها أو قصر فلا هروب عن تحرك شوق قديم ليتجدد حب المكان لتقف مشدوها أمام أحاسيس ومشاعر تشدك إلى حقبة زمنية هي جزء من ذاتك وكيانك وبداياتك.
وها هي مجمعة الوفاء مرة أخرى تقف باسمه بنخيلها ووديانها وأبنائها وأنت بدورك لا تملك إلا أن تبتسم أيضا وبالتالي فهي ليست بحاجة لأن تتسول الابتسامة منك حين قدومك إليها بطلب من لوحة صامتة تعلق جانبا على مدخل المدينة تستجديك الابتسامة.
قيل إن سبب تسميتها يعود لتلاقي وتوطن أناس من مشارب وانتماءات مختلفة وقيل لتلاقي وتجمع الأودية بها وبمحيطها، ومهما قيل فهي بالمحصلة كانت ولم تزل تجمع للوفاء والمحبة والتآلف وكأنهم تحت بنود ميثاق شرف يبدأ بحب المجمعة وينتهي بحب المجمعة لتبقى معهم وبهم ماض عريق وحاضر متألق.. ومن منطلق توهج هذا البعد الإنتمائي الوطني الجميل فإن استحقاقية مسمى (ماسة نجد) لم يكن ليقتصر على المتغيرات والقفزات المادية والتي تملأ أكثر من نشاط عمراني وتخطيطي وبنى تحتية متنوعة بل يتعدى ذلك إلى معطيات أخرى ذات علاقة بالسلوك البشري الراقي، وتبعا لذلك نجدها تتمحور في استيعاب المستجدات بذهنية متعلقة، والتكيف مع متطلبات العصر بوعي متزن، وسعة الأفق والإدراك، وتوازن التعاطي مع ديناميكية المعادلة الصعبة للرفض المطلق أو القبول المطلق ضمن آلية التأثر والتأثير.. ومن هنا وتعويلا على أكثر من مؤشر يمكن استنتاجه دون عناء من هذا الطرح فأعتقد أن باستطاعتها الآن إدراك سر انفرادية التميز (لماسة نجد).