لا نجانب جادة الصواب إن قلنا إن التنشئة الاجتماعية السليمة تمثل صمام الأمان للاستقرار المستقبلي, وعندما نتحدث عن هذا المفهوم فإن الحديث يقودنا إلى مسارات وقواعد ما يمكن تسميته بالأمن العقلي للطفولة، فرعاية عقل الطفل وحمايته من شوائب بعض الإسقاطات والتراكميات التي باتت سمة عصر التسويق والاستهلاك هي من أهم دواعي وضروريات التنشئة الطفولية والاجتماعية السلمية.
ألعاب الفيديو الترفيهية على شاكلة البلايستيشن وغيرها من الإكترونيات اللاهثة إلى استقطاب عقل الطفل ومحاكاة خياله أصبحت بحد ذاتها ظاهرة تستدعي نوعاً من الاستدراك والرصد والتدقيق لما تبثه من أفكار رثة وسمينة على حد سواء إلى مدخلات العقل الصغير لترمي الحجار في نهره وتترك تحريك تكسرات مياهه إلى قادم الأيام, وبلوغ سن المراهقة والطيش.
من ضمن الشخصيات التي تجد رواجاً لدى ذائقة الأطفال وتأسر خيالهم تلك الشخصية الخيالية (قراند) الذي وللأسف الشديد وعند متابعة أدواره البطولية نجد أنه يتفنن في سرقة السيارات، ويقوم بذلك التصرف من باب إخراج نفسه من المواقف التي يقع فيها مع رجال (البوليس) الذين نادراً ما يتمكنون من التغلب عليه، طارحاً بذلك أسلوب الغاية تبرر الوسيلة, وبالإضافة إلى أن هذا (القراند) لا يتوانى في تحقيق انتصاراته عن طريق استخدام لغة العنف الجسدي, والقتل، وقطع الإشارات, والقيادة بسرعة جنونية والاعتداء على الآخرين وضربهم ضرباً مبرحاً وكل هذة التصرفات العدوانية واللامسؤولة هي مسوغات ومكونات بطولة (قراند) التي لولاها لما عرف وسوق له ولمغامراته التدميرية.
هذه الشحنات من الإسقاطات والترسبات التي تتكور في ذات أطفالنا وتترسخ بدواخلهم لن تذهب هباء منثوراً بل إنها تنتظر لحظة تحقيق الحلم وتقمص شخصية البطل، من خلال سرقة سيارة ترك محركها دائراً هنا أو القيادة بسرعة جنونية تحصد أرواح الأبرياء هناك، أو تطبيق ممارسات العدوانية في موقف آخر وإشباع الآخرين بالضرب, وغيرها وغيرها الكثير ما ينضح به إناء الحشو الفكري والثقافي المسوق بغلاف استهلاكي شفاف من المتعة والعلب التلاعبي بالأذهان، فكم (قراند) سوف يخرج علينا من بين أطفالنا ساعدنا نحن بإعداده وتشريبه وتطعيمه بمكونات وقناعات ومفاهيم الشخصية القراندية؟!. وماذا سنفعل لنقنن أساليب الولوج إلى عقول الأطفال والاتجار بها وتحولها إلى سوق مفتوحة تستقطب منتجات وسلع الاستهلاك العقلي ليُجنى من ورائها الأرباح والمكاسب المادية وتترك لنا فيما بعد عقولاً فارغة الأمن بثقافة الارتباك والانفلات التي ستفرز ظواهر اجتماعية تستدعي العلاج فيما كنا نستطيع أن نستبق مقدماتها ومسبباتها بالوقاية التي هي خير من العلاج.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244