صنعاء مدينة مفعمة بالتاريخ، موغلة في أعماق الأصالة، متدثِّرة بدثار الحضارة القديمة، والسيادة والملك، وفيها حياة (تلْقائية) بعيدة عن التكلّف والمبالغة، ولهذا فإنها بأحيائها ومبانيها القديمة، ومساجدها العتيقة، وشوارعها الضيقة، وبيوتها المتشابكة، وأسواقها ومتاجرها المتناثرة تبدو قريبة من النفس، يسيرة التعامل، قريبة المأخذ.
وفي جانب آخر من جوانبها الحديثة، تبرز مؤسساتها الخيرية، والتعليمية، ومراكزها التدريبية، ومنشآتها الصحية الأهلية أنموذجاً للعمل المنظم، والتخطيط السليم، والأهداف الواضحة، والإنتاج الناجح، ومن الأمثلة على ذلك جمعية رعاية المكفوفات برئاسة الأستاذة فاطمة العاقل وأختها زينب، وهما (مكفوفتان) التي تعد أنموذجاً متميِّزاً من نماذج المؤسسات التعليمية التدريبية المتطورة جداً، إنها جمعية رائدة في مجالها، متميِّزة في تعليمها، ناجحة في رسالتها الإنسانية التي تحقق للنساء اللاتي فقدن نعمة الإبصار أفضل طرق التعليم والتدريب، وأرقى أساليب التعامل مع الحياة بقدرة وثقة.
مدرسة متكاملة بإدارتها، وفصولها التعليمية، ووسائلها الإيضاحية، وجوِّها النفسي المريح، ومكتبتها الفنيَّة، وسكنها المريح، وبرامج نشاطها التي تحوِّل الطالبة إلى طاقة بشرية قادرة على العطاء، والمشاركة في البناء.
مدرسة تستخدم أحدث وسائل التقنية التي تخدم التعليم، وترقى بمستوى التدريب، وتساعد الإنسان على أن يكون منتجاً نافعاً لنفسه ولمجتمعه، غير مستسلم لما كتب الله عليه من الإعاقة المتمثلة في فَقْد نعمة البصر.
ولعل من أبْرز ما يميِّز جمعية المكفوفات النسائية في صنعاء أنها تنتشل كثيراً من (الكفيفات) من إهمال أسرهنَّ لهنّ إهمالاً يعرِّض حياتهن للخطر، ويعزلهنَّ عن الحياة، وتعمل على تعليمهن، وتدريبهنَّ وتأهيلهنَّ تأهيلاً عملياً يجعلهن رائدات في كثير من الأعمال داخل أسرهنّ وخارجها.
لقد ذكرني طموح الأستاذة فاطمة العاقل، وحرصها الشديد على طالبات جمعيتها اللاتي تطلق عليهنَّ بكل مودة واحترام (بناتي)، كما ذكرني اجتهادها في تطوير أعمال جمعيتها لخدمة (المكفوفين) بطموح وحرص واجتهاد الدكتور عبدالله الغانم الذي بذل جهوداً كبيرة لخدمة المكفوفين في المملكة وخارجها، وتظلُّ جهود الأستاذة فاطمة لافتة للنظر؛ لأنها نقشت على صخرة المتاعب حروف النجاح بمقدرة فائقة.
لا مكان في الجمعيات والمؤسسات التعليمية والتدريبية الأهلية الخيرية في صنعاء لفكرة المساعدة المادية والغذائية المقطوعة للمحتاجين، تلك المساعدة التي تعوِّدهم على المسألة، وتسوقهم إلى الكسل والخمول، وانتظار ما يجود به المحسنون، كلا، بل إنَّ العمل، وبذل الجهد، وإبراز القدرات البشرية التي تستطيع أن تعمل وتنتج رافعة رأسها هي الأهداف الكبرى المتحققة، فقد رأينا من الأيتام والفقراء الذين رعتهم الجمعية زمناً من هم قادرون على العطاء المتجدِّد الذي يغنيهم عن الناس، ويغني بهم أصحاب الحاجات عن أهلهم وذويهم، وهذا تميزٌ يستحق الإشادة، والاقتداء به.
إشارة
علمني كيف أصطاد السمك خير من أن تعطيني سمكة كل يوم.
www.awfaz.com