Al Jazirah NewsPaper Saturday  09/02/2008 G Issue 12917
السبت 02 صفر 1429   العدد  12917
ضيف الاقتصاد
طالب بمرجعية مهنية موثقة تتولى إصداره.. المهندس الحماد ل«الجزيرة»:
البيروقراطية وعدم تحديث العقد الموحد للأشغال العامة يزيد كلفة المشاريع

حاوره - عبدالله الحصان - تصوير - فتحي كالي

أكد أستاذ الهندسة بجامعة الملك سعود الدكتور إبراهيم الحماد أن البيروقراطية وعدم التحديث للعقد الموحد للأشغال العامة ادى الى زيادة كلفة المشاريع الانشائية وتأخر تنفيذها وتدني مستوى الجودة فيها.

وقال الحماد انه لو نفذ العمل بعقد أكثر توازنا للمسؤوليات والواجبات مع التوازن الاقتصادي لطرفي العقد لانخفضت قيمة عطاء المقاولين، وأوضح انه قام بالاشراف على مشروع إنشاء أسواق كبرى بالقطاع الخاص، وتم تسعير بند الحفر بحوالي 8 ريالات للمتر المكعب، وعند مقارنته بمشروع حفر لجامعة البنات بحرم جامعة الملك سعود قبل سنتين، بلغ سعر حفر المتر المكعب حوالي 26 ريالا.

وكشف الحماد أن العقد الموحد للأشغال العامة المعمول به حالياً مشابه لعقد الفيديك الصادر بنسخته الأولية قبل ثلاثين سنة، وأن العقد الحالي بحاجة لتحديثات عدة ليتواكب مع زخم وحجم المشاريع الإنشائية التي تعيشها المملكة، مبيناً في ذات السياق بأن الاستمرار في هذا العقد بحالته الراهنة سيؤدي بنهاية المطاف للزيادة في كلفة المشاريع الإنشائية والتأخر في تنفيذها وتدني مستوى الجودة فيها مما سيؤدي لهدر اقتصادي كبير، فإلى نص الحوار..

* أشرفتم على دراسة تخص (العقد الموحد للأشغال العامة)، وتم استعراضها بورشة عمل عقدت بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية. وشملت مقارنة العقد الحالي بالعقود المعمول بها عالمياً، فما الاختلاف والمقارنة في هذه العقود؟

- بداية أشكر صحيفة الجزيرة على اهتمامها بتغطية هذا الموضوع الحيوي الذي يتعلق بتقويم الكفاءة الإدارية للتنمية العمرانية والاقتصادية بالمملكة لا سيما خلال الفترة الحالية التي تشهد فورة عمرانية كبرى، وذلك من خلال إتاحة الفرصة لي لطرق الجزئية التي أختص بها وهو تقويم العقد الموحد للأشغال العامة بغرض تطوير صناعة التشييد بالمملكة، والتي قمنا من خلالها بإعداد دراسة شارك معي فيها عدد من الزملاء أعضاء هيئة التدريس بجامعة الملك سعود وبدعم مالي وقدره نصف مليون ريال من قبل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية لفترة الدراسة وقدرها سنتان ونصف السنة.

ومن المعلوم أن آخر إصدار للعقد الموحد للأشغال العامة كان في عام 1408ه ولم يحدث عليه أي تغيير جوهري يتواكب مع زخم وحجم المشاريع الإنشائية الحالية والممارسات الحديثة المتبعة بالدول الأخرى. ونظراً لأهمية الموضوع وخبرة وإمكانيات مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية في عقد الورش والمؤتمرات، وبناء على طلبنا دعمت إدارة المدينة مشكورة اقامة ورشة عمل لاستعراض المسودة الأولية ل(العقد الموحد للأشغال العامة) والتي أعدها الفريق البحثي قبل تقديم المسودة النهائية للمشروع البحثي، لايماننا بأن مثل هذا البحث لا بد أن يأخذ بالاعتبار آراء وأفكار الجهات ذات العلاقة ومنها وزارة المال، ممثلو الهيئة السعودية للمهندسين، إدارة المقاولين، إداريو العقود والمشتريات بالجهات الحكومية، والباحثون، وغيرهم، وكانت الاستجابة طيبة من قبل الجهات المذكورة لأهمية الموضوع وحرص هذه الجهات على الوصول الى عقد متوازن ومرن ومقبول.

ولا بد من لفت الانتباه، بأن البيروقراطية وعدم التحديث للعقد الموحد للأشغال العامة يؤدي إلى زيادة كلفة المشاريع الإنشائية، وتأخر تنفيذ المشاريع، وتدني مستوى الجودة؛ ويمثل ذلك هدرا اقتصاديا كبيرا للمملكة. وإشارة الى سؤالكم حول مواطن الاختلاف والمقارنة في هذا العقد الموحد للأشغال العامة والعقود الدولية الأخرى، فعلى الرغم من اختلاف بيئة وثقافة العمل بالدول المتقدمة الا أنه بإمكاننا تكييف العديد من الإجراءات والممارسات الدولية الناجحة في عقودنا الإدارية.

وحيث إن هنالك العشرات من عقود الأشغال النموذجية فقد اقتصرنا مقارنة العقد السعودي للأشغال العامة مع كل من عقد الفيديك الدولي (وتقدر كلفة المشاريع السنوية المنفذة باستخدامه حوالي 5000 بليون دولار)، وعقد جمعية المعماريين الأمريكية، وعقد جمعية المهندسين الانجليزية.

وإذ سنتطرق لاحقا لبعض الأمثلة على الفروقات، فإنني أورد هنا على سبيل المثال بأن العقد الموحد لم يتطرق إلى التعامل مع تأخير صرف مستحقات المقاولين، واستقلالية المهندس المشرف على المشروع، وحصول المقاول على حافز عند الانتهاء المبكر لانجاز المشروع.

* هل من توضيح أكثر للقصور والاختلاف بين العقد الموحد والعقود النموذجية الدولية الأخرى؟

- إضافة إلى ما ذكرت فإنني أزيد بأن العقد الموحد لم يتطرق إلى التعامل مع تضخم أسعار مواد البناء وأجور العمالة أثناء تنفيذ المشاريع مما ينشأ عنه عدد من المطالبات التي تؤدي في كثير منها الى رفع دعاوى إدارية من قبل المقاولين ضد الجهات الحكومية المختلفة أمام ديوان المظالم والمطالبة بالتعويض المالي، بالإضافة إلى تأخر مراجعة تقديمات المقاول وطلب إجراء تعديلات بنطاق الأعمال دون تمديد فترة العقد أو زيادة أسعار بعض البنود، وغيرها من الأمثلة التي تزيد من مخاطر العمل مع الجهات الحكومية والتي تنعكس سلبيا على الاقتصاد الوطني من خلال زيادة أسعار المشاريع الانشائية نظير الممارسات المذكورة.

وأضيف أنه لو نفذ العمل بعقد أكثر توازنا للمسؤوليات والواجبات مع التوازن الاقتصادي لطرفي العقد لانخفضت قيمة عطاء المقاولين، وقد قمت حديثا بالاشراف عل مشروع انشاء أسواق كبرى بالقطاع الخاص، وتم تسعير بند الحفر بحوالي 8 ريالات للمتر المكعب لكمية وقدرها 120 ألف متر مكعب وعند مقارنته بمشروع حفر لجامعة البنات بحرم جامعة الملك سعود قبل سنتين، بلغ سعر حفر المتر المكعب حوالي 26 ريالا ولكمية حفر تقدر بأكثر من مليوني متر مكعب على الرغم من كفاءة وخبرة المقاول الرئيسي والاستشاري الهندسي المشرف على المشروع. وهنالك مثال آخر يخص تطبيق الغرامة المالية عند تأخير انجاز المشاريع، تنظر المحاكم الغربية بنقض الجزاءات المالية في حالة عدم الاستفادة منالمنشأة أثناء فترة التأخير.

كذلك عدم حسم العديد من الخلافات أو المطالبات أثناء تنفيذ العمل من قبل لجان تحكيم تؤدي الى توتر العلاقة بين الجهة الحكومية والمقاول.

* تردد كثيراً عدم وجود مرجعية موثقة للعقد وجهة إصدار له، فهل هذا صحيح؟, ومن اين يستمد مرجعيته؟

- هذا صحيح وللأسف، وهو لا يتناسب مع مكانة وسمعة المملكة، لا سيما بعد دخولنا منظمة التجارة الدولية wtoبعد مفاوضات طويلة ومرهقة.

ولم يشر قرار مجلس الوزراء الذي أقر العقد الموحد الى مراجع وأسس صياغته، ولكننا في بحثنا وجدنا أن هنالك تشابها كبيرا بينه وبين اصدار عقد الفدك الدولي في حينه أي قبل أكثر من ثلاثين سنة، وقد تم تحديث العقد الأخير حوالي ثلاث مرات ولم يحدث اي تغيير جوهري في العقد الأول.

ونحن بدورنا نوصي بأن تكون هنالك مرجعية مهنية واضحة وموثقة تقوم باصدار العقد الموحد للأشغال العامة دوريا ليتواكب مع التطورات والمستجدات وأن تقوم بالتعليق على مثل هذه التغييرات وتبريرها، أسوة بما تقوم به الدول الأخرى.

* هل من توجه حقيقي من القطاع العام (وزارة المال) لايجاد عقد بديل؟

- هنالك شعور كبير من قبل مسؤولي وزارة المال للحاجة في تحديث العقد الموحد للأشغال العامة، وتحديثه ليس بالأمر السهل ولا هو بالمستحيل، ولا أعرف موقفها الرسمي من ذلك أو مبرراتها في عدم تحديثه، إلا أنني أوكد بأن هنالك اهتماما من قبل المسؤولين بمتابعة نتائج الدراسة حيث حضر عدد من ممثليها ورشة العمل، ونحن بانتطار التعقيب الرسمي على مسودة العقد الموحد للأشغال العامة.

وأؤكد هنا بأننا، كفريق بحثي، جهة مستقلة وحيادية وليس لها أي مصلحة مع أي من طرفي العقد وهما الجهات الحكومية والمقاولين، إنما يهمنا تناول العقد موضوعياً لوقف الهدر الاقتصادي الوطني والرقي بالممارسات الإدارية والهندسية لوطننا الغالي، وغايتنا تحقيق أكبر قدر من المصلحة العامة.

* يطبق العقد الموحد للأشغال العامة على أكثر من 7000 مشروع إنشائي وصيانة وتشغيل أرسيت هذا العام، فهل العقد قادر على احتواء هذه المشاريع؟.

- لا يوجد بديل للعقد الموحد للأشغال العامة، ومن ثم يتم تنفيذ جل المشاريع الحكومية من خلاله ولكن كما سبق ذكره بأن عدم تطوره ومواكبته العملية لمتطلبات المرحلة الحالية يسبب خسارة اقتصادية وطنية فادحة، ويجدر بالذكر بأن هنالك مشاريع حكومية مستثناة من تطبيق العقد الموحد للأشغال العامة، مثل مشاريع تطوير السكك الحديدية كخط الشمال - الجنوب، مشروع جسر الملك فهد، مشاريع شركة أرامكو السعودية، مشاريع شركة سابك للصناعات الأساسية، مشاريع تنفيذ بطريقة عقود البناء - التشغيل - إعادة المنشأة، وكذلك المشاريع التي تتم تحت حالة من الطوارئ مثل الكوارث وإعلان الحرب وحفظ الأمن وحدوث أزمات.

وغالبية المشاريع المستثناة تحت الظروف الاعتيادية تتضمن نقل تقنية عالية وتتصف بحقوق نقل الملكية وبراء الاختراع، وعادة لا يملك المقاولون أو الموردون المحليون الخبرة المطلوبة لتنفيذ هذه المشاريع المتقدمة تكنولوجيا ومن ثم تلجأ الدولة الى المقاولين والموردين الخارجين وتقبل بشروطهم ومتطلبات عملهم التعاقدية والمالية والقضائية.

* تعرض عقد فيديك للعديد من المتغيرات الجوهرية منذ طبعته الثالثة ولم يتم تحديث عقد الأشغال العامة المستمد منه، فما هي الأسباب بنظركم لعدم العمل على المتغيرات؟

- باعتقادي.. لم يتبن أحد القيام بتحديث العقد الموحد للأشغال العامة، وهو أيضاً مرتبط بتحديث نظام المنافسات والمشتريات.

وجرت العادة في الدول الأخرى أن تقوم وزارة الأشغال العامة أو البلديات بالاشراف على إعداد عقد الأشغال العامة، وفي المملكة قامت وزارة المال بإصدار العقد الموحد للأشغال العامة ولائحته التنفيذية بناء على ما ورد في المادة 14 من نظام تأمين المشتريات وتنفيذ مشاريع الحكومة والذي صدر بمرسوم ملكي بناء على قرار من مجلس الوزراء بمقتضى ذلك.

ولعلي في هذه المناسبة أقترح على مجلس الشورى تبني المبادرة بتناول هذا الموضوع الهام، أو المجلس الاقتصادي الأعلى. وقد أثار موضوع تحديث العقد الموحد للأشغال العامة العديد من الباحثين والممارسين والمهنيين من خلال نشر البحوث العلمية والمقالات العامة وورش العمل والندوات وغيرها من الطرق المناسبة، وأدعو الى إقامة ندوة كبرى تشارك بها كل الجهات المعنية وتتيح مناقشة معظم بنود العقد الموحد للأشغال العامة حيث إن ورشة العمل التي قام بها الفريق البحثي لم يتسع الوقتللمناقشة المستفيضة والموضوع بتصوري أكبر من ذلك. على أنه يجب الخروج بتوصيات من الندوة المقترحة تكون مقبولة بحد أدنى من كل الأطراف حتى يتم دعمها لتنفيذها لاحقا.

* يقول عدد من المقاولين إن العقد أزال بند التعويض وأزال مسؤولية المالك عن التصميم ومعظم المشاريع ستتوقف، فما الانعكاسات برأيكم؟.

- لا يوجد أصلا بند للتعويض أو بند آخر يحمل مسؤولية المالك (وهي الجهة الحكومية) عن صحة ودقة التصاميم الهندسية، وترك ذلك لمطالبات المقاول التي تنتهي بعضها كدعاو إدارية لدى ديوان المظالم والتي تكلف أتعاب ووقت ممثلي الطرفين اضافة الى هدر وقت القضاة الاداريين في الفصل في المنازعات الادارية. وبعض المقاولين يتجنب رفع دعوى ادارية ضد الجهة الحكومية لكلفة المحامين والتشكك في اصدار أحكام لصالحهم وأخيرا خوفا من رد فعل الجهة الحكومية بعدم التعامل معهم مستقبلاً.

* هناك من يدعو إلى نقل جهة اختصاص إصدار هذا العقد لجهة متخصصة ومستقلة بعيدا عن وزارة المال فما رأيكم؟.

- هذا سؤال محير، والكثير يطالب بذلك، ولكني شخصياً لا أعلم ما ستكون عليه الحال حينما يعهد إصدار النظام لجهة أخرى غير وزارة المال وهي المناط بها المحافظة على المال العام.

ولا يهم من تكون الجهة المختصة، بما فيه وزارة المال، بل الأهم أن يتم تحديثه دورياً وبمشاركة كل الأطراف بما فيه مجلس الشورى كما هو معمول به في كثير من الدول الأخرى.

* كلمة أخيرة تود قولها؟.

- أقدم جزيل الشكر لجريدة الجزيرة لاتاحة الفرصة بنشر المواضيع من أجل المصلحة العامة، كما أحث سرعة الجهات المختصة بتبني إعداد مسودة مقبولة لعقد الأشغال العامة ومناقشتها بلقاء عام وشفاف بدلا من الاكتفاء بوجهة نظر منفردة.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد