تحدثت كثيراً عن الإصلاح الإداري واقتراح استراتيجيات للتنمية الإدارية ووضع أولويات تنطلق من تحليل ودراسة الواقع الحالي لمؤسسات الدولة، وضرورة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب والقضاء على البطالة المقنعة وبجميع أشكالها المتعددة الأخرى، والسعي الحثيث
لضرورة تطوير الموارد البشرية في جميع مؤسسات الدولة تمشياً مع التوجيهات السامية بذلك.
وقد اقترحت في أكثر من مقال ومناسبة عددا من الآليات الكفيلة بالقضاء على البطالة من خلال إصلاح النظام التعليمي بالمملكة والعمل على الأخذ ببعض المقترحات التي من أجلها تحسين بيئات العمل وخلق مزيد من فرص العمل للشباب السعودي المؤهل، والعمل على تأهيل غير القادرين على دخول سوق العمل تأهيلاً يسمح لهم إما بدخول السوق كموظف أو مستثمر، وإقتراح استبدال شرط التوظيف للسعوديين بشرط تقديم منح دراسية، ولكن يبقى السؤال المحير في الكيفية التي سيتم من خلالها تحقيق هذا الأمر في ظل تولي عدد كبير من مؤسسات الدولة مسئولية تحقيق ذلك، هل يتم ذلك بوضع برنامج وطني يعنى بنظام إدارة الأداء وقياس الأداء المؤسسي وتحسين الأداء والإنتاج معاً؟ أم بالاطلاع على التجارب الإدارية الناجحة في الدول المجاورة وتطبيقها لدينا؟ أم بتغيير ذهنية التفكير لدى أغلب القائمين على مؤسسات قطاعنا العام؟?
لا شك أن إناطة هذه المهمة، وفي هذا الوقت تحديداً لجهة واحدة محددة سيدعم تحقيق نتائج إيجابية فورية ربما لتفرد الجهة بوضع ورسم الإستراتيجيات الكفيلة بتحقيق ذلك في معزل عن تداخل مسئوليات أخرى تناط بها على عكس تصدي وزارة معينة كوزارة العمل أو غيرها لمهمة كهذه في ظل وجود عدد غير قليل من المسئوليات الأخرى المناطة بها الأمر الذي سيسهم بلاشك في إضعاف قدرتها الإنتاجية فيما لو كانت متفرغة للتصدي لهذه المهمة بشكل منفرد، لذا لا بد من وجود جهة واحدة تكون مهمة إصلاح النظام العام مسئوليتها الوحيدة كوزارة للدولة لشؤون التنمية الإدارية التي يراد لها أن تحمل على عاتقها العديد من المهام لتنفيذ أهدافها وخططها في إطار واحد حيث تتمثل تلك المهام في ثلاثة محاور رئيسة:
أولاً: صياغة السياسات العامة والخطط والبرامج الكفيلة بتفعيل وتطوير أداء الخدمات الحكومية وتبسيط إجراءات الحصول عليها في أقرب وقت وبأقل جهد وتكلفة، وخلق قنوات جديدة لتوصيلها للمواطنين في مكان تواجدهم وعلى اختلاف مستوياتهم بالأسلوب الأمثل وبالسرعة والكفاءة المرجوتين، مع إيجاد أفضل السبل للتواصل معهم وإشراكهم في العملية التنفيذية. وذلك من خلال التالي:
- العمل المكتبي بها وميكنتها بما يوفر بيئة مناسبة للنهوض بمستوى الخدمات المقدمة منها، وتحديد أساليب قياس كفاءة وجودة الخدمة المقدمة منها مع اعتماد محددات ومؤشرات الأداء والتقييم.
- وضع وتنفيذ برنامج إتاحة الخدمات الحكومية من خلال روافد جديدة ومتعددة مثل شبكة المعلومات (الإنترنت) وخدمة التليفون( الثابت والمحمول) ومراكز تقديم الخدمات.
- تشغيل وتحديث بوابة الحكومة على شبكة المعلومات (الإنترنت).
ثانياً: إعداد السياسات العامة والخطط والبرامج الكفيلة بالارتقاء بمستوى الموارد البشرية بالدولة، ويتم ذلك من خلال التالي:
- وضع التوجيهات العامة للتدريب الإدارى والربط بينه وبين تطبيق آليات العصر الحديث، وتفعيل التدريب المستمر وربطه بالاحتياجات العلمية وتحديد أساليب التنفيذ بالتعاون مع المؤسسات المهتمة بالتدريب ومتابعة تنفيذها.
- إعداد برنامج تدريب القادة الإداريين لخلق كوادر قادرة على التعامل بأساليب الإدارة الحديثة ولديها روح الابتكار والتطوير وتحمل المسئولية، لإزالة العوائق والعقبات وتيسير التعامل، مع التركيز على بناء الصف الأول والثاني.
- التنسيق بين الوزارة والمؤسسات العلمية والوكالات والمراكز البحثية الأخرى -الوطنية منها والأجنبية- المختصة بتنمية الموارد البشرية وتطويرها وتفعيل التعاون معها.
ثالثاً: التنسيق مع الجهات المعنية لإعداد وصياغة خطط وبرامج الإصلاح والتطوير الإداري ورفع كفاءة الجهاز الإداري للدولة -في شتى المستويات الإدارية المركزية منها والمحلية- وفي جميع القطاعات التي يتصل عملها بالمواطنين والمستثمرين وخلق البيئة التشريعية والتنفيذية الملائمة التي تكفل إتمامها والارتقاء بمستوى القيادة الإدارية وتهيئة الجهاز الإداري للدولة للاندماج في النظام العالمي ومسايرة التقدم والوفاء بالالتزامات الدولية، وذلك من خلال: (مراجعة طرق شغل الوظائف القيادية والقوانين الحاكمة لها، بما يسمح بوضع آليات لاختيار القادة تقوم على عناصر القدرات العلمية).
- إجراء الدراسات للقوانين الحاكمة للجهاز الإداري للدولة وإجراء دراسة الأجور والعلاوات والبدلات والمكافآت والتعويضات -بالتنسيق مع وزارتي المالية والتخطيط- بما يحقق الربط الكامل بينها وبين الإنجاز، وتحقيق سياسة الثواب والعقاب.
يعاني القطاع العام حقيقة مشكلات كبيرة منها ما يتعلق بالنظم الإدارية، ومنها ما يتعلق بالكوادر الإدارية غير المؤهلة، هذا لا يعني عدم وجود إداريين ومتخصصين وناجحين في عملهم يبذلون قصارى جهدهم لإنجاح عمل مؤسساتهم.
ولكن من الناحية الإدارية وبشكل عام نحن بحاجة إلى الاطلاع على التجارب الإدارية الناجحة في الدول المجاورة والمتقدمة وضرورة الاستفادة من تجاربهم وفق واقعنا الراهن.
والجدير بالذكر أن من أهم أسباب نجاح الإدارة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب من حيث الكفاءة والنزاهة والخبرة والقدرة على التحليل.
وهناك مشكلات أخرى منها ضرورة الاستجابة لتحديث القطاع العام من حيث توفير مستلزمات نجاحه من الكوادر وتجديد آليات العمل والاعتماد على الكادر المؤهل علمياً وإعادة هيكلية هذا القطاع، كما يجب أن تراعى الشفافية في العلاقة بين الإدارة والمواطن.
كم يناط بالوزارة وضع استراتيجية للإصلاح الإداري تأخذ بعين الاعتبار النقاط التالية:د
1- اقتراح إستراتيجية للتنمية الإدارية وأولويات تنطلق من تحليل ودراسة الواقع الحالي ووضع الخطط اللازمة لتنفيذ هذه الإستراتيجية ومتابعة تنفيذها بعد اعتمادها.
2- وضع الخطط الرامية إلى الاستخدام الأمثل للموارد البشرية المتابعة وإعداد الأطر الإدارية ذات الكفاءة العالية.
-3العمل على إيجاد المراكز التدريبية المتميزة
للتأهيل الإداري لمختلف المستويات الإدارية من خلال إنشاء مراكز تدريبية لإعداد القيادات الإدارية.
4- الإسهام في إعداد التنظيم الهيكلي وأسس التوصيف الوظيفي وشروط إشغال الوظائف.
-5دراسة القوانين والأنظمة المتعلقة بالنشاط
الإداري والتنمية الإدارية في الجهات العامة وتقديم المقترحات لتحديثها وتبسيط إجراءاتها وملاءمتها للتطبيق العلمي.
-6الإسهام في إعداد وتنفيذ خطط وبرامج الإعلام
الإداري من خلال وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة ونشر المقالات وتوزيعها على أصحاب القرار والاختصاص في مجال الإدارة العامة وعقد المؤتمرات والندوات وورش أعمال.
7- التعاون مع المراكز والمؤسسات المحلية والعربية والأجنبية والمنظمات العربية والدولية المختصة بالتنمية الإدارية.
8- إعداد برامج وطنية تعنى بقياس الأداء المؤسسي وبرنامج وطني عن تحسين الأداء والإنتاجية في المؤسسات الصناعية ونشر مفاهيم الإدارة الحديثة.
كما يفترض أن يناط بهذه المنظومة تبنيها لخطة وطنية تقوم على رفع كفاءة وأداء الجهاز الإداري للدولة من خلال إنشاء خطة عمل متكاملة لتحديث الإدارة الحكومية يكون من أساسياتها:
- إنشاء قواعد البيانات الوطنية والاقتصادية.
- التطوير المؤسسي ويهدف إلى وضع خطط وسياسات وقوانين وهياكل إدارية حديثة، بالإضافة إلى تعديل نظم الحوافز والمرتبات وتحسين بيئة العمل، وتنمية الموارد البشرية وتدريب العاملين بالجهاز الإداري على نظم الإدارة الحديثة وصقل خبراتهم.
- تطوير البنية الأساسية لشبكة المعلومات الحكومية لتهيئتها لتشغيل التطبيقات المختلفة.
- تطوير الخدمات الحكومية بهدف توفير خدمات المواطنين والمستثمرين بصورة حضارية ودقيقة، وتوصيل تلك الخدمات للمتعاملين مع الحكومة في أماكن تواجدهم.
- تطوير نظم إدارة موارد الدولة الذي يهدف إلى تطوير منظومة العمل الحكومي وخفض الإنفاق الحكومي وميكنة دورات العمل في الجهات الحكومية باستخدام التكنولوجيا والتطبيقات العلمية.
يساهم الإصلاح الإداري في الحد من الأضرار التي يعاني منها الجهاز الحكومي ، وذلك عن طريق طرح آليات عمل جديدة تعتمد على الأسس العلمية في الفكر الإداري الأمر الذي سيؤدي إلى إيجاد جهاز إداري كفء وفعال قادر على مواكبة التغير، يحسن إدارة موارد الدولة، ويقدم خدمة متميزة للمواطنين ويتفاعل معهم.
والله من وراء القصد
dr. aobaid@gmail.com