يشهد القاصي والداني للمملكة سياستها الخارجية المتزنة؛ ولذلك فإن المملكة تتمتع بمصداقية كبيرة على المستوى العربي والدولي. هذه المصداقية أهّلتها لأن تكون وسيطاً لحل نزاعات عدة، ولم يكن لها أن تلعب هذا الدور لو لم تكن تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف الداخلة في النزاع؛ فالمملكة لا تتدخل في شؤون الآخرين، ولا تسمح لأحد أن يتدخل في شؤونها، ولكنها في الوقت ذاته لا تقفل الباب في وجه من يريد المساعدة، والوساطة من أجل حل الأزمات العربية والإسلامية.
ومن الأمثلة الحية على دورها الكبير في حل النزاعات ما شهدته المملكة من مفاوضات مباشرة بين قادة حماس وفتح في مكة أثمر عن اتفاق صلح تاريخي عُرف باسم اتفاق مكة في شهر فبراير من العام الماضي، ذلك الاتفاق الذي ساهم في حقن دماء الفلسطينيين. وعلى الرغم من خرق الفلسطينيين لهذا الاتفاق في مناسبات عدة ودخولهم في منازعات أخرى، إلا أن اتفاق مكة ظل مرجعاً لكل دعوة للتصالح، والوحدة الوطنية.. هذا الاتفاق الذي بات وثيقة عهد وطنية في التاريخ النضالي الفلسطيني.
وبعد هذا الاتفاق التاريخي بأشهر قليلة حققت المملكة على أرضها إنجازاً آخر تمثل في عقد صلح بين السودان وتشاد للعمل على إنهاء النزاع بينهما في إقليم دارفور غرب السودان، وإقليم شرق تشاد. وبغض النظر عن تسلسل الأحداث لاحقاً، فإن ذلك الصلح يحسب للمملكة؛ كونه يؤكد حرص المملكة وقادتها على تحقيق الإخاء بين الدول العربية والإسلامية، وتحقيق الاستقرار في المنطقة والعالم.
كذلك تسعى المملكة إلى التوفيق بين الأطراف اللبنانية بكافة طوائفها وانتماءاتها السياسية، وهدفها المنشود هو أن يعيش اللبنانيون في سلام بعيداً عن أجواء الكراهية والانتقام والاغتيالات. ولا ينسى التاريخ أن اتفاق الطائف برعاية الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله تعالى - هو الذي أوقف الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت لربع قرن. هذه السياسة الحكيمة جعلت المملكة محطة دولية مهمة للقادة السياسيين؛ للقاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله وولي عهده الأمير سلطان، والتشاور معهما حول المستجدات على الساحة الإقليمية والدولية. كما أن ثقلها السياسي جعل قادة دول العالم يحرصون على دعوة قادة المملكة لزيارة دولهم، وتوثيق العلاقات الثنائية. كما أنه ليس غريباً أن يقام على أرض المملكة عدة مؤتمرات دولية متتالية ناجحة بكل المقاييس، تؤكد نتائجها الاحترام الكبير الذي تكنه دول العالم شرقها وغربها للمملكة قلب العالم الإسلامي وقائدة العالم العربي.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244