الجزيرة- خاص
برزت في المجتمع السعودي داعيات مؤثرات، طرحن خطاباً دعوياً مهماً وفاعلاً لقي قبولاً واسعاً في الأوساط النسائية وصار للداعيات الحضور القوي على الساحة، وأولت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الاهتمام بالداعيات المؤثرات وأعدت قوائم بأسماء المعتمدات من الداعيات للقيام بواجب الدعوة، في جميع مناطق المملكة، ونظمت لهن المحاضرات والكلمات الوعظية في مصليات النساء بالمساجد، ولكن حتى الآن لا توجد برامج دعوية تستوعب العاملات في مجالات الدعوة النسائية وفق خطط وسياسات دعوية، موجهة نحو القضايا المجتمعية، الأمر الذي يجعل دور الداعيات يميل إلى الفردية أكثر من العمل الدعوي النسائي المؤسس، وهو الأمر الذي يفقده التأثير الأكبر، فكيف يمكن تفعيل دور الدعوة النسائية؟ وماهي الأطر التي يمكن من خلالها وضع برامج للدعوة النسائية في المساجد والمؤسسات الدعوية الخاصة بها؟ حول هذه التساؤلات التقينا بعدد من المهتمات بالعمل الدعوي للتعرف على وجهة نظرهن؟!
إعداد الكوادر الدعوية
في البداية تحدثت الدكتورة ابتسام بنت بدر الجابري (عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى) عن الدعوة النسائية وما يجب على الداعيات، فطالبت بضرورة الاستفادة من التقنيات الحديثة لنشر الدعوة، وأكدت على أهمية تعلم الأسس الصحيحة والسليمة لهذه التقنيات، وطريقة الاستفادة منها على الوجه المناسب، وعدم استعمال الوسائل غير المشروعة أو التساهل في بعض الأمور المحرمة بغرض الدعوة إلى الله، وهذا مدخل من مداخل الشيطان على الدعاة فكيف ندعو إلى الله بما حرم الله، إضافة إلى سعة الاطلاع والعلم بالجديد في الساحة لاستغلاله بالوجه المناسب في الدعوة، والاستفادة من كوادر مختلفة في المجتمع إذ إن هذه البرامج الدعوية النسائية تستقطب فئات مختلفة وبأعمار مختلفة وتوجه صغارهم تربية صالحة، وتوجيه الكبار توجيهاً سديداً.
الفرص الدعوية
وتؤكد الدكتورة لولوة بنت عبد الكريم المفلح (أستاذ التفسير وعلوم القرآن المساعد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية): إن الدعوة إلى الله تعالى هي أشرف الأعمال وأفضلها، فقد قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}، وهذه هي مهمة الرسل والأنبياء ومن تبعهم، قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ}، وبذلوا في ذلك قصارى جهدهم لهدايتهم، فها هو نوح - عليه السلام - مكث في دعوته زمناً طويلاً، كما قال تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا}، وكذلك جميع الرسل والأنبياء وخاتمهم محمد - صلى الله عليه وسلم - قد حرصوا على دعوة أممهم وهدايتهم، وقد كان الله - عز وجل - يعزي نبيه بتحسره على من لم يستجب للدعوة بقوله: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}، لذا ينبغي على الجميع اتباع منهج الرسل في الدعوة إلى الله لأن الخطاب الشرعي الآمر بالدعوة إلى الله عام لجميع المسلمين شاملاً الرجال والنساء، فالدعوة إلى الله إذاً واجبه في حق النساء، كما هي واجبة في حق الرجال، كل حسب قدرته واستطاعته ويعتبر أمر الدعوة إلى الله في أوساط النساء بواسطة داعيات أمراً جديداً في عصرنا الحاضر، إلا أنه في الواقع ليس بجديد، لأنه امتداد لما كانت عليه الصحابيات - رضوان الله عليهن - كأمثال عائشة - رضي الله عنها - وأم سلمة، وأسماء بنت أبي بكر، ونسيبة بنت كعب، وصفية بنت عبد المطلب، وغيرهن.
وعلى هذا ينبغي أن تجند كل امرأة نفسها في الدعوة إلى الله كل حسب قدرته بالنصح والإرشاد والدروس العلمية، فالدعوة لا تنحصر بمكان دون آخر ولا بوقت دون غيره، ولا بأشخاص دون آخرين، فعلى الداعية أن تتحين الفرص للدعوة إلى الله في البيت مع زوجها، وأولادها، وفي العمل مع زميلاتها، ومن تخالطه ومن تتعامل معه أفراد الأسرة والمجتمع من جيران وغيرهم، وتبدأ بأهل بيتها لأنها مسؤولة عنهم يوم القيامة، كما قال - عليه الصلاة والسلام - (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها)، فتبدأ المرأة في الدعوة في هذه المملكة الصغيرة لتخرج دعاة يخدمون دينهم وإخوانهم في الإصلاح والدعوة إلى الله فبذلك تتوسع الدعوة إلى الله عن هذا الطريق إلى أن تكون خارج بيتها كدعوة أقاربها وزميلاتها وجيرانها، كل بما يناسبه بحكمة، قال تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، فالدعوة إلى الله في أي وسط ينبغي أن تكون على بصيرة بما تدعو إليه وبإخلاص، وأن تعي الداعية مسؤوليتها وتكون عاملة بما تدعو إليه حتى تكون الدعوة مؤثرة وتكون على الصراط المستقيم كما جاء في القرآن على لسان شعيب - عليه السلام -: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.
الوسط والوقت المناسب
وتقول الأستاذة سارة بنت نايف المرزوقي المحاضرة بقسم الدراسات الإسلامية بكلية التربية بتربة للبنات: إن انتشار الداعيات في الأوساط النسائية أمر لا تستطيع إنكار وجوده أو أثره الإيجابي، خاصة المحاضرات والندوات المعدة مسبقاً، ولكن يجب أن لا يقتصر عمل الداعية على الإعداد المسبق بل يجب عليهن اغتنام الفرص والمناسبات والتجمعات للدعوة ولكن بعض الداعيات -هداهن الله- لا يحسن اختيار الوسط والوقت المناسب للدعوة مما يؤدي إلى النفور بدلاً من الإقبال، ويجب أن يكون حضور مجالس الذكر وندوات الدعوة عن رغبة ومحبة وليس بالإجبار حتى تؤتي خير ثمار، فأرى من المهم جداً إعداد دورات خاصة للداعيات في أساليب الدعوة ومداخل الدخول في الموضوعات وطرق شد الانتباه ونحوها، وعلى الداعية أن تتناول في موضوعاتها أكثر من الظواهر المنتشرة بين النساء (موضوعات نسائية) وأن لا تنحصر في موضوعات قد تطرح من الدعاة (الرجال في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة).
المرأة الأكثر تأثيراً
أما الأستاذة نائلة السلفي مديرة مكتب الدعوة النسائي بالمكتب التعاوني لدعوة الجاليات بحي النسيم بالرياض، فتقول: إن البرامج الدعوية النسائية ليست جديدة بقدر ما هي متطورة ومبهرة لكل الناس، وإذا عرفت الداعية أن أهدافها سامية، تستطيع إيجاد طريقة لتفعيل دورها وتحصين بنات جنسها بكل مقومات الحياة السليمة الموافقة للشريعة بعيداً عن التعسف، وللداعية تأثير أسرع من الأخريات لمعرفتها بخصائص المرأة عامة أما المقاييس التي على الداعية البدء بها فهي معرفتها بحاجات النساء في مختلف البيئات وأبرز البدع والمعاصي المنتشرة عندهم، ومن طرق التفعيل تقديم المحاضرات، والاستشارات، والحوارات، والشواهد القصصية والزيارات المتباعدة لمراكز خدمة المرأة الخاصة والعامة واستغلال المجالس الإدارية في التعليم، والتربية، والصحة، والنفسية، والاجتماعية والأسرة، فكلما وجدت الداعية الفرصة سمحت لها بتفعيل دور ستجد لذة العمل ولن يضيع عند الله مثقال ذرة من خير، ونواة التفعيل زوجها وأبنائها لتعديل سلوكهم وتحصينهم من الفتن والفساد.