Al Jazirah NewsPaper Friday  08/02/2008 G Issue 12916
الجمعة 02 صفر 1429   العدد  12916
قضية التكفير والخلط فيها
معالي الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد آل الشيخ *

لا يرتاب الغيورون على أحوال الأمة أنها تعيش زمن طوفان الفتن وأن واقعها المرير يعج بفتن عمياء غير أن هناك فتنة فاقرة وبلية ظاهرة، فتنة امتحن الله بها المسلمين عبر التاريخ لما نجم عنها من سفك الدماء وتناثر الأشلاء وحل جراءها من نكبات وأرزاء إنها فتنة التكفير وكفى بها من فتنة.

إن المجازفة بالتكفير شر عظيم وخطر جسيم لا يسارع فيه من عنده أدنى شعرة من ورع وديانة أو شذرة من علم أو ذرة من رزانة.

يقول الإمام الشوكاني رحمه الله (وها هنا تسكب العبرات على الإسلام بما جناه التعقيب في الدين على غالب المسلمين من الترامي بالكفر لألسنة ولا لقرآن ولا لبيان من الله ولا برهان).

لقد جاءت النصوص الزاجرة عن هذا المرتع الوخيم والمسلك المشين قال عليه الصلاة والسلام: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر).

ومن حديث أبي ذر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا جار عليه)، وعند الطبراني بسند صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله).

وفي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه).

وعلى هذا المسلك المشرق سار عليه السلف الصالح يرحمهم الله فوضعوا لهذا الحكم أصولا وشروطا وضوابط ورسموا له حالات وموانع لابد من مراعاتها والتثبت فيها وما ذلك إلا لخطورته ودقته، ومن أهم هذه الضوابط أن التكفير حكم شرعي محض حق لله تعالى سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم.

يقول الإمام الطحاوي رحمه الله: (ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله).

وقال الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: (وبالجملة فيجب على كل من نصح نفسه أن لا يتكلم في هذه المسألة إلا بعلم وبرهان من الله وليحذر إخراج رجل من الإسلام بمجرد فهمه واستحسان عقله فإن إخراج رجل من الإسلام من أعظم أمور الدين وقد استزل الشيطان أكثر الناس في هذا فكيف يسوغ بعد هذه النقول كلها لمن لم يبلغ في مقدار علمهم وفضلهم أن يتجاسر على المسارعة إلى الحكم بالكفر الصراح في حق إخوانه المسلمين.

ومن الضوابط المهمة في هذه المسألة الخطيرة أن المسلم لا يكفر بقول ولا بفعل إلا بعد أن تقام عليه الحجة وتزال عنه الشبهة).

ولا يكفر إلا من أجمع أهل الإسلام على تكفيره أو قام على تكفيره دليل لا معارض له قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (ولا نكفر إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم).

ونحن حينما نذكر شروط التكفير وضوابطه فإننا نبين أن الإسلام بريء من هذا المعتقد الخاطئ وأن ما جرى في بلادنا الحرمين الشريفين حرسها الله من سفك الدماء المعصومة وإزهاق الأنفس البريئة لهو من الأعمال الإجرامية المحرمة ولا ينبغي أن يحمل الإسلام وأهله المعتدلون جريرة هذه الأحداث التي هي إفراز فكر تكفيري منحرف مما تأباه الشريعة السمحة والفطرة السليمة والعقود المستقيمة.

والنداء موجه إلى شباب بلاد الحرمين الشريفين الذين نشؤوا على صحة المعتقد والسنة ومنهج أئمة الدعوة الإصلاحية المباركة أن يحذروا من اللوثات الفكرية المنحرفة وأن يستغلوا في أفكار دخيلة أو مناهج هزيلة.

والله ولي حفظ هذه البلاد وندعوه سبحانه أن يديم عليها أمنها وإيمانها واستقرارها وأن يوفق قادتها إلى ما فيه الخير والصلاح وأن يهدي ضال المسلمين وأن يثبت طائعهم إنه ولي ذلك والقادر عليه .

*وزير العدل - عضو هيئة كبار العلماء



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد