Al Jazirah NewsPaper Friday  08/02/2008 G Issue 12916
الجمعة 02 صفر 1429   العدد  12916
تربويات وأكاديميات ومختصات في الشؤون الاجتماعية يؤكدن:
الأمهات خط الدفاع الأول في مواجهة الغلو والانحراف

الرياض - خاص ب(الجزيرة):

تعد الأسرة اللبنة الأولى للمجتمع ويناط بالأب والأم مسؤولية كبيرة تجاه تربية الأبناء والبنات وتنشئتهم التنشئة الصحيحة الملتزمة بأحكام الدين الإسلامي المبنية على كتاب الله الكريم وسنة رسوله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.. وفي هذا السياق تتحمل الأم مسؤولية كبيرة بحكم تواصلها مع الأبناء والبنات أكثر ساعات اليوم.

ووفقاً لذلك ما الدور المناط بالأم تجاه تحصين أبنائها وبناتها من مخاطر الفكر المنحرف والغلو والتطرف؟

كان ذلك محور ما طرحناه على عدد من التربويات والأكاديميات والمختصات في الشؤون الاجتماعية.. فماذا قلن:

19 وسيلة تربوية:

في البداية تؤكد الدكتورة ابتسام بنت عبدالمحسن الجريسي (عضو هيئة التدريس بكلية التربية للبنات بالرياض) أنه لابد أن تدرك الأم حقيقة دورها، وتستشعر الأمانة المنوطة بها فتقوم بها على أكمل وجه لأنها عبادة أمرت بها من الخالق: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}، (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، ويجب أن تدرك ذلك منذ ولادتها لطفلها ويذكر أن رجلاً جاء يسترشد أحد السلف لتربية ابن ولد حديثاً فسأله كم عمره؟ قال: شهر، قال: فاتتك تربيته، وإن كان في ذلك نوع مبالغة إلا أن فيه جزءا كبيرا من الحقيقة، كما يجب أن تدرك الأم أهمية التربية وتحصين الأبناء لخطورة الواقع الذي نعيشه ذلك أن كل من حولها يشارك في تربية أبنائها لانفتاح المجتمعات وتطور وسائل التقنية وانتشار وسائل الإعلام، ومن ثم عليها أن تحرص على تربية أبنائها لتكون حصناً لهم وتكون لبنات صالح للمجتمع الإسلامي، ومن أبرز جوانب التربية التي ينبغي للأم مراعاتها لتحصين أبنائها من مخاطر الفكر الضال، والغلو والتطرف ما يلي:

أولاً: تربيتهم على الدين القويم، وتنشئتهم على مراقبة الله في السر والعلن بأسلوب محبب.

ثانياً: التنشئة على العقيدة السليمة الصحيحة، وإعداد الإجابة لكل سؤال قدر الاستطاعة.

ثالثاً: التربية بالقدوة الحسنة في الخلق والدين ومراقبة الله وعدم الكذب، حتى لا يرى التناقض فيما يربى عليه وما يراه فتنتزع ثقته في الأم فلا يعود ليأخذ عنها.

رابعاً: اتباع المنهج النبوي في تربية الأبناء بالعطف والحنان والشفقة - والقصص في ذلك كثيرة في مظانها - حتى يشعر الطفل بدفء الحياة الأسرية وينشأ على عدم الاستغناء عنه فلا يبحث عن الحنان والاحتواء خارج المنزل.

خامساً: احترام شخصية الصغير حتى يكبر تدريجياً. فلا يوبخ لكل سبب ولا يهان بألفاظ غير لائقة، ولا يعاتب أمام الآخرين، وبيان أخطائه ومناقشتها بصورة لائقة، فينشأ على الصراحة والوضوح في سلوكياته وقيمه، ويكسب الثقة في نفسه، وفي أمه فتكون موضع مشورته وهمومه، واستفساراته، وكل ما أشكل عليه في حياته.

سادساً: تربيتهم بالعدل وعدم التفرقة إلا في مواضع محددة: كالصغير والمريض والمسافر كما جاء، وبيان سبب ذلك بصورة مبسطة حتى يدرك الأبناء السبب فينشأ عنده حب الإيثار وحب الخير للآخرين ويتخلص من الصفات السلبية كالحقد والكره.

سابعاً: مراقبة سلوكيات الأبناء بصورة غير مباشرة في جميع مراحل حياتهم ومعرفة اهتماماتهم، ورفقتهم، وسائر الجوانب التي تغفل عنها فيقع مالا تحمد عقباه.

ثامناً: إعطاؤهم فرص لتصحيح أخطائهم والتغيير وتهذيب الأخلاق حتى يكسبوا الأفضل في كل شيء ويعتادوا على الرجوع عن الخطأ من أول الطريق، مع عدم المبالغة في إحسان الظن مع ظهور ما يريب، أو إساءة الظن دون مبرر.

تاسعاً: تحصينهم من وسائل الانحراف المباشرة كالإعلام الهابط أو المضلل ومراقبة أجهزة الاتصال المتنوعة، ومراقبة الألعاب الإلكترونية التي تدس السم في العسل، وإيجاد البديل النافع المناسب لأعمارهم.

عاشراً: ملء فراغ الأبناء بكل وسائل الخير والترفيه المباح المناسب ومشاركتهم في ذلك وإقامة حلق الذكر في المنزل، والحرص على حفظهم للقرآن الكريم بالالتحاق بحلقات التحفيظ، وتنمية مواهبهم والاهتمام بها، فإن الفراغ من أوائل مسببات الانحراف بأنواعه.

حادي عشر: تعويد الأبناء على المشاركة الاجتماعية وعدم العزلة والانطواء وتعويدهم على دعم أبواب الخير الواضحة كالدعوة إلى الله بضوابطها ومساعدة الفقراء والمحتاجين.

ثاني عشر: عدم الاعتماد على الخدم في التربية، وخصوصاً إن كانوا كفارا فذلك مدعاة لانحرافهم وفساد عقائدهم وأخلاقهم وتشويه دينهم.

ثالث عشر: إشراك الأب في احتواء مشاكلهم، وعدم تركهم في تخبط خصوصاً الذكور منهم، وفتح باب النقاش والحوار، وكسبهم كأصدقاء.

رابع عشر: فهم نفسياتهم وطبائعهم فلا يعامل الأبناء جميعهم بنمط واحد مع تباين نفسياتهم ومراحلهم العمرية حتى لا ينشأ عند الابن القهر والإحباط.

خامس عشر: مشاركتهم في اختيار رفقتهم، والثناء على الصالح منهم، والسؤال عنهم بين الحين والآخر، وجعلهم جزء من الأسرة حتى لا ينفصل الأبناء عنها لأي سبب مستقبلاً.

سادس عشر: تنشئتهم على حب القراءة ومراقبة ما يقرؤون وتوجيههم للقراءة النافعة، وتحذيرهم من القراءة الضارة، وقد حرصن أمهات السلف على ذلك رغم عدم تعلمهن.

سابع عشر: تعريف الأبناء بمكانة العلماء الإجلاء، وأهداف الدعوة، ومنهج الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم في ذلك.

ثامن عشر: تعويد لسان الأم مع اجتماع قلبها على الدعاء ثم الدعاء لأبنائها بالصلاح والهداية والاستقامة وتجنب الدعاء عليهم فقد توافق ساعة استجابة.

تاسع عشر: ينبغي على الأم أن تعتني بكل ما يعينها على تربية أبنائها بالصورة التي تحصنهم من مزالق الغلو والتطرف ودهاليز الفكر الضال. ووسائل ذلك متاحة بأسهل الطرق خصوصاً اطلاعها على ما يستجد في هذا الجانب عن طريق مواقع التربية الإسلامية في الإنترنت وكتب المربين المسلمين من قديم وحديث.

صلاح الأبناء وفسادهم

وترى الدكتورة نمشة بنت عبدالله الطوالة (الأستاذ المساعد بكلية التربية بالرياض)، أن دور الأم في حمل الأمانة والقيام بواجب المسؤولية تجاه من ترعاهم وتقوم على تربيتهم دور عظيم جليل، لأن تربية الأبناء تربية صحيحة سليمة هي الأساس في بناء المجتمع الواعي الصالح، إضافة إلى أن صلاح الأبناء وفسادهم يتحمل الوالدان كثيراً من أسبابه ومسبباته، وهي مسؤولية كبيرة شاقة باعتبار أنها ملازمة لولدها منذ ولادته إلى أن يشب ويترعرع، ولذا حملها النبي صلى الله عليه وسلم المسؤولية حين قال: (والأم راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها).

وأول أمر يجب أن تضعه الأم نصب عينيها وهو من أهم الأمور وأكدها تعليم الأبناء وتلقينهم أصول الإيمان وأركان الإسلام والعقيدة الصحيحة، وتأديبهم على حب الرسول صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بسنته، وتعزيز جانب الفطرة السليمة التي فطروا عليها، وتعويدهم الخير فإن هذا الأمر هو الأساس في ضمان سلامة عقيدتهم وأخلاقهم من الزيغ والانحراف والانحلال.

وعلى الأم أن تراعي ما يناسب عقولهم والتدرج بهم من الأدنى إلى الأعلى، ومن المحسوس إلى المعقول حتى تصل بهم إلى الإقناع الكامل واليقين الراسخ وهذه طريقة القرآن الكريم في التربية والتعليم، ومن الأمور المهمة أيضاً في التحصين تربية روح المراقبة لله تعالى، وترويض الأبناء على محاسبة النفس، لأن الله تبارك وتعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (5) سورة البينة.

وغرس التقوى والخضوع له سبحانه وتعالى، وقد قال عز وجل في وصف أهل التقوى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} (201) سورة الأعراف.

ومن أنجح الوسائل المؤثرة في إعداد الأبناء وإصلاحهم كون الأم قدوة صالحة لأبنائها فقد جاء عن عبدالله بن عامر رضي الله عنه قال: دعتني أمي يوماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا، فقالت: تعال أعطك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أردت أن تعطيه؟، قالت: أردت أن أعطيه تمراً، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنك لو لم تعطه شيئاً كتبت عليك كذبة، فلا يستقيم من المربية أن تأمر بالخير وتحض عليه وهي مجانبة له، وتنهى عن الشر وتحذر منه وهي منغمسة فيه، فهذا مما يورث الاستخفاف بما تأمر به وعدم تصديقها فيما تقول.

ومن ثم فإن دور الأم في تحصين أبنائها وتربيتهم التربية الصالحة، وتنشئتهم التنشئة السوية دور بالغ الأهمية والخطورة أيضاً وهي قبل هذا وذلك مسؤولة أمام الله سبحانه وتعالى عنهم ومحاسبة على هذه الأمانة التي استرعاها الله.

وتقول الدكتورة مرفت بنت كامل أسره (المشرفة المركزية للعلوم الشرعية بالإدارة العامة للإشراف التربوي بتعليم البنات بالرياض): الأم مسؤولة كبرى عن تربية أبنائها، قال صلى الله عليه وسلم: (والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها)، ومن أهم جوانب التربية التنشئة الفكرية السليمة الموافقة لمنهج أهل السنة والجماعة المعتدل بين التنقيضي الغلو والجفاء.

وذلك من خلال عدة جوانب تربوية:

أولاً: الدعاء الصادق للأبناء بالاستقامة على المنهج السليم مع تحري أوقات الإجابة والإلحاح في الدعاء لهم مع اليقين بالإجابة.

ثانياً: القدوة الحسنة فهي أهم وسائل التربية السليمة، فالأم التي تبدو أمام أبنائها معتدلة في فكرها متزنة في عواطفها تنبذ بقولها وفعلها كافة صور الغلو والتطرف لا بد بإذن الله أن تؤثر تأثيراً إيجابياً على سلوكيات أبنائها لأنها بالنسبة لهم نبراساً يحتذى به في الحياة.

ثالثاً: الاتفاق بين الوالدين في الأساليب التربوية، فإن الانفصام في التوجيه بين الأم والأب يورث ولا بد خللاً كبيراً في التربية لا تحمد عقباه.

رابعاً: تفعيل أسلوب الحوار في التربية، خاصة فيما يتعلق بالقضايا المنهجية التحصينية ضد التيارات الفكرية المنحرفة.

خامساً: ترشيد الاستهلاك الإعلامي بمحاربة القنوات الفضائية ذات التوجهات الفكرية المنحرفة التي تدس السم في الدسم وذلك بكشف شبهاتها وضلالاتها مع أهمية توفير البديل المناسب بالاشتراك في قناة فضائية نقية يكون من ضمن أهدافها محاربة الفكر المنحرف والغلو والتطرف.

سادساً: الحرص على التغذية الفكرية للأبناء من خلال إطلاعهم على الإصدارات المقروءة والمسموعة، والمواقع الإلكترونية الهادفة التي تؤصل فيهم منهج أهل السنة والجماعة على ضوء الكتاب والسنة.

سابعاً: تنشئة الأبناء على الاعتدال والاقتصاد في العمل والعبادة القائم على الأصلين العظيمين: الإخلاص والمتابعة لأن الغلو لا يتسرب إلا بالقدر الذي يبتعد فيه صاحبه عن الوسطية والاعتدال.

ثامناً: الحرص على تحقيق الرفقة الصالحة في العلاقات الاجتماعية للأبناء من خلال إلحاقهم بدور تحفيظ القرآن الكريم وتشجعيهم على حضور بعض مجالس الذكر والمحاضرات لأهل العلم والدعاة المشهود لهم بالمنهج السديد فضلاً عن الروابط الاجتماعية الخيرة.

تاسعاً: احتواء الأبناء فكرياً وعاطفياً بما لا يدع مجالاً لأي ثغرة ينفذ من خلالها قرناء السوء إلى عقول الأبناء ونفوسهم.

عاشراً: تدريب الأبناء على الإلقاء ومواجهة الجمهور بشكل مصغر في البيت ليكونوا أعضاء فاعلين في المجتمع يخدمون دين الله في أي زمان ومكان ويؤدون رسالتهم الدعوية في محاربة الفكر المنحرف.

ترسيخ العقيدة

وتبين الدكتورة موضي البقمي (المشرفة التربوية بإدارة نشاط الطالبات بتعليم البنات): إن حاجتنا إلى تربية الأبناء وتحصينهم ضد الغزو العظيم الذي يتعرضون له من كل الاتجاهات كحاجتنا للأكل والشرب والنوم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوتنا وحبيبنا حريصا أشد الحرص على تربية الأطفال على العقيدة الصحيحة وغرس الدين في قلوبهم بأسلوب سهل وممتع بعيداً عن التشدد والإكراه.

لذلك واجب على الأمة جميعاً وعلى الأباء والأمهات أن يبذلوا قصارى جهدهم لترسيخ العقيدة الصحيحة في نفوس أبنائهم خاصة في ذلك الزمان الذي كثرت فيه الفتن والشبهات حيث ورد في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تحث على التربية الإيمانية للأبناء كوصية لقمان لابنه وتحذيره من الشرك {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}.

وواجب الأم كبير في رعاية الأبناء والبنات وذلك من عدة أوجه، منها:

- العناية بالأبناء اقتداءً بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك بحد ذاته يعتبر عبادة الله عز وجل والعقيدة أساس الدين.

- إهمال التعليم والتربية بحجة صغر الأبناء وبعد أن يكبروا لا تستطيع الأم السيطرة عليهم كما أشار لذلك ابن القيم الجوزية، حيث قال: (من أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدا فقد أساء غاية الإساءة، وأكثر الأبناء إنما جاء فسادهم من إهمال الآباء تعليمهم فرائض الدين، فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كباراً).

- تربية الأبناء وتعليمهم حماية لأمتهم وأوطانهم من الزيغ والضلال في ظل ما يوجه لهؤلاء الأبناء في كثير من البرامج المسموعة والمرئية والمقروءة من عقائد وعادات ومثل فاسدة.

- التقرب إلى الأبناء واكتشاف الكنوز والواجبات والقدرات واستثمارها وتطويرها ودعمها بما يخدم الأبناء وتربيتهم.

- تزويد الأبناء وتحفيزهم بقصص المتفوقين والأسباب التي قادتهم إلى المكانة التي وصلوها سواء علمياً أو ثقافياً أو اجتماعياً ليتخذهم قدوة ومثلاً في أخلاقهم وتمسكهم بأمور دينهم ودنياهم.

- ضبط النفس واللسان وخاصة في ساعات الغضب من قبل الآباء لأنهم قدوة لأبنائهم، فالأفضل قيادة الأبناء إلى التأسي بأحسن خلق وأكرم هدي، فإن أحسنت الأم وربت وأجادت وعززت تبعها أبناؤها وإن أساءت أساءوا وخسرت وخسروا.

- الحوار مع الأبناء بطريقة ترضي الأم والابن معاً ولكن تفرد الأم بالرأي أو العكس يفسد لغة الحوار ويدفع بالأبناء إلى الاتجاه الآخر.

ومن الأساليب التي تفسد الحوار - والحديث للدكتورة موضي البقمي -: عدم سماع وجهة نظر الابنة أو الابن واتباع أسلوب تكميم الأفواه، واللجوء إلى التحقيق في كل كلمة ترد من الابن وعدم ترك المجال له ليوضح المقصود، وهو أشبه أسلوب المحقق في الشرطة، والتجاهل للابن أو الابنة وهي تتكلم وكان الموضوع لا يعني الأم، بينما الأم ممكن أن تضيع ساعات في سماع كلام صديقاتها في الهاتف أو الاستماع إلى التلفاز أو غيره من وسائل الإعلام.

جيل النهضة

وتؤكد الأستاذة نجلاء بنت إبراهيم الجريد (عميدة كلية التربية للبنات سابقاً): أن للأم دورا في تحصين الأبناء ذكوراً وإناثاً من مخاطر الفكر المنحرف، والغلو والتطرف، لأن لهذه التربية الأثر الجلي والواضح في شخصيتهم، كما أن الجو الأسري المفعم بالمحبة والتعاون، والقائم على الترابط والتماسك، يساهم مساهمة فعالة في بناء شخصية الأبناء ويدفعهم إلى بناء ذاتهم واستثمار قدراتهم وطاقاتهم، أما إذا أهمل الطفل وتخلى عنه ذووه فإن لهذا التقصير الأثر السلبي في شخصيته وقد يؤدي ذلك إلى شعوره بالتيه والضياع من جراء فقدان المحبة والرعاية المناسبة، وحرمانه من إمكانية بناء ذاته والاعتماد عليها بما ينفعه ويخدم المجتمع من حوله، وقد جاء في الأثر أن: (مثل الذي يتعلم العلم في صغره كالنقش على الحجر، ومثل الذي يتعلم العلم في كبره كالذي يكتب على الماء).

وإن من الأهمية بمكان الاهتمام بتنمية شخصية الطفل منذ نعومة أظفاره والاعتناء به؛ نظراً لكونه قابلاً للتشكل والتأثر من خلال ما يوفره المرء من أساليب تربوية ووسائل عبر جهد مخلص لتربيته وتنشئته، وقد أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود يولد إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه) وهذا يعني ضرورة استثمار الفترة العمرية المناسبة التي يمكن خلالها بناء وصقل الصبي أو الصبية، إذ إن الأمر يختلف اختلافاً واضحاً عند دخوله مرحلة المراهقة، فقد دلت الأبحاث على أن درجة اعتماد المراهقين على رأي رفاقهم وتأثرهم بتوجيههم تختلف باختلاف مدى ونوع الاهتمام الذي سبق وأن تلقوه من الوالدين من توجيهات إسلامية وأفكار سوية مغروسة في قرارة أنفسهم تقودهم إلى شخصية إسلامية واعية ترفض أي فكر هدام أو تفكير منحل، فالبيئة المحيطة بالناشئ أو الناشئة تساهم بشكل فعال في إبراز القيم والسلوك التي يكتسبها الأبناء من جراء المعايشة التربوية والتعامل اليومي مع أفراد الأسرة بشكل عام ومن جراء المربية لسلوكه وهي الأم بشكل خاص، فتعليم الأطفال ورعايتهم السليمة، قد يخلق جيلاً يكون على يديه إنقاذ مجتمعه من التشتت والضياع، والعمل على إيقاظ أمته من رقدتها.

الارتباط بالأم

وتستطرد نجلاء الجريد بقولها: إن أقرب إنسان للطفل منذ صغره هي أمه التي غالباً ما يكون قلبها مليئا بالحنان والتضحية والعطاء والصبر فيكون أول تعلق للأبناء والبنات في مستهل حياتهم بأمهاتهم، لأنه بالطبع النفس جبلت وفطرت على حب من أحسن إليها واهتم بأمرها، فتكون الأم هنا هي القدوة في ذاتها أولاً حيث إنه أي حركة أو كلمة أو تصرف ولو كان غير مقصود، فإن الابن أو البنت لديهم قدرة بالغة على محاكاة كل ما يصدر عنها أو عن ما يحيط بأسرته التي نشأ بها التي كانت الأم منذ البداية لها بصمتها الواضحة على ثنايا أخلاق أفرادها، فلو وضعت الأم المربية الصالحة دستوراً عائلياً إسلامياً يتبع منهجية الدين العظيم وخلق النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - من أذكار وسلوكيات وأدعية وأوراد، بل لو خصصت من كل يوم ساعة من نهار تلقي على مسامع فلذات أكبادها كتاب ربها - جل وعلا - لكان أكبر وأفضل مرب لها تطهر به النفوس، وتنشرح به القلوب، وكان له أكبر الأثر في تربيتهم، بل ويلاحظ ذلك في ترديدهم لبعض الآيات حتى ولو كانوا منفردين وذلك أثناء لعبهم أو جلوسهم، ثم يأتي دور القصص كذلك وتأثيرها السحري في النفوس حيث تنفعل النفس بالمواقف حيث يتخيل الإنسان نفسه في داخل الحوادث ومع ذلك فهو ناج منها متفرج أو منصت من بعيد، أما رأيت يا عبد الله - أن ثلث القرآن هو من القصص كذلك وهذه من التربية الإلهية للأنفس المكلفة لاتباع قدوة معينة أو لأخذ العظة والعبرة، وكما هو ملاحظ فإن الطفل يبدأ عادة في الاستماع بسماع القصة حين يبلغ الثانية من عمره حيث يبدأ الطفل بالدخول في الطور الواقعي المحدود بالبيئة ويستمر فيه حتى سن الخامسة تقريباً، فتبدأ الأم في رواية القصص الوصفية لأحداث في حياته اليومية، تستغل خبراته البسيطة وتحاول أن تصبغ له السلوكيات بطريقة حكاية مناسبة بطريقة مرضية بحيث يكون الطفل ذاته هو محور هذه القصة ثم ينمو سن الطفل تنمو معه طريقة صياغة القصص وممكن اللجوء إلى قصص الأنبياء والصالحين أو قصص واقعية لقدوات صالحة معاصرة بحيث تُصاغ له بطريقة مناسبة لسنه، ومن هذه الطرق أيضاً، مساعدته في اختيار اصطحاب الأخيار بحيث يجعلونه يكثر من مخالطة الأخيار الصالحين البنت مع أمها مع نساء صالحات في دور التحفيظ وقاعات المحاضرات التوعوية والابن مع أبيه (في المسجد أو التحفيظ ومجالس الذكر كذلك) يساعد في تثبيت ما يجده ويسمعه في أسرته من وسائل سمعية سواء في (البيت أو السيارة أو المتنزهات أو غيرها) من أشرطة إسلامية مفيدة أو من وسائل بصرية ويفيد في ذلك محاضرات توعوية تناسب سنهم، أو أفلام وثائقية يرى فيها أثر عظمة الله على مخلوقاته وغيرها ويبقى في الأخير زرع في الناشئ أو الناشئة الهمم العالية السامية وتنمية مهاراته، واستقلاليته والابتعاد عن كثرة اللوم والانتقاد المحبط والمدمر لشخصيته وإحساسه، ولو بشيء من المسؤولية ولو عن أشياء بسيطة خاصة بأشيائه وألعابه كل ذلك ليسمو إلى أسمى المراتب وأرقى الأخلاق وأهذبها.

نماذج للاقتداء

تقول الأستاذة خديجة بنت عبد الرحمن الصغير (المدربة بإدارة التدريب التربوي بمنطقة الرياض): على الأم أن تقوم بما يأتي لتحصين الأبناء والبنات من الغلو والتطرف والفكر الضال:

- الدعاء للأولاد بالصلاح والهداية وأن يعين الله الوالدين على تربيتهم التربية الصالحة، وأن يحفظهم من كل شر.

- قضاء وقت مع الأولاد والجلوس معهم ومحادثتهم فيما يهمهم والاستماع لهم بإنصات وعدم مقاطعتهم.

- الابتداء بتعليمهم العلم الشرعي منذ الصغر بالتدرج والاستمرار في ذلك وعدم الاكتفاء بما تقدمه المدرسة، فالأسرة لها دور كبير في التعليم والتوجيه، بل هي المدرسة الأولى للأولاد والبنات.

- مساعدة الأولاد والبنات في اختيار أصدقائهم وسؤالهم باستمرار عن أخلاقهم وأقوالهم وتصرفاتهم، وتوجيههم بتجنب الأصدقاء الذين لا يرتاحون لأقوالهم وتصرفاتهم.

- الانتباه لما ينقله الأولاد والبنات عن أصدقائهم وإرشادهم إلى الصواب وعدم التساهل في ذلك فإن النار من مستصغر الشرر.

- تخصيص وقت يومي أو أسبوعي لإعطاء الأولاد والبنات درس ديني في العقيدة أو الفقه أو في سيرة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - والصحابة والصحابيات وعلماء الأمة الإسلامية.

- عدم إدخال القنوات الفضائية التي تفسد دينهم وسلوكهم.

- تحبيبهم في وطنهم وذكر المزايا التي يحصلون عليهم من وطنهم.

- التحدث معهم عن نعمة الأمن في الأوطان.

- حثهم على طاعة ولي الأمر في غير معصية الله وعدم جواز الخروج عنه، وتجنب كل من يحدث الفوضى والفتنة.

- ذكر نمادج صحيحة للاقتداء بها ونماذج سيئة لتجنبها.

- تعريفهم بأسلوب الوقوع في الانحراف والفكر الضال لتجنبها.

التقرب للأولاد والتعرف على ما يقرأونهم ويسمعونهم ويشاهدونهم لتوجيههم وإرشادهم وموافقتهم على الطيب منها وإقناعهم بترك الرديء منها.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد