د. حسن الشقطي
أغلق سوق الأسهم هذا الأسبوع خاسراً حوالي 191 نقطة تقريباً، في ظل الإغلاق السلبي القوي ليوم الأربعاء، وذلك رغم حالة الهدوء التي سادت السوق على مدى الأيام الأربعة الأولى للتداول.
ويعتبر البعض هبوط البورصات الأمريكية يوم الثلاثاء الماضي، ثم هبوط البورصات الآسيوية يوم الأربعاء مبرراً لهذا الإغلاق السلبي للسوق السعودي، ولكن هل يمكن تصديق ذلك؟ أم أن الهبوط محلي ولأسباب محلية؟ ومن جانب آخر فقد فاجأت هيئة السوق المتداولين والمراقبين للسوق هذا الأسبوع بطرحها ولأول مرة بيانات التداول التفصيلية لشرائح المستثمرين الرئيسيين في السوق عن شهر يناير مصنفة حسب النوع والجنسية، تلك البيانات التي ظلت محجوبة لسنوات طويلة.. وقد أوضحت هذه البيانات الصورة الحقيقية للسوق، وللسيولة الداخلة والخارجة..
وسنحاول هنا إيضاح دلالاتها في الحاضر والمستقبل، أيضاً طرحت الهيئة قواعد تداول سهم إنعام، والتي ظهرت في شكل إجرائي معقد من خلال اشتراط فترات دقيقة وتفصيلية لتداول السهم على مستوى يومين فقط في الأسبوع وأيضاً لنصف ساعة في كل يوم منهما..
فهل ستسمح هذه الضوابط للمساهمين وللشركة فعلاً بالتقاط الأنفاس؟ ومن جانب ثالث، فقد تم هذا الأسبوع تداول سهم العربية التعاونية ضمن أسهم قطاع التأمين، والذي أعاد للأذهان نسب الـ1000% رغم انكسارها نهاية اليوم، وتزامنت هذه النسبة مع الإعلان عن طرح شركتين جديدتين للتأمين.
هبوط الأربعاء
يعكر صفو الهدوء
رغم الهبوط الطفيف الذي شهده المؤشر يوم السبت، فقد تمكن من التماسك والتهدئة خلال الفترة من الأحد وحتى الثلاثاء بشكل ربح معه على مدى الأيام الأربعة حوالي 100 نقطة تقريباً.
ثم ما لبث المؤشر أن فاجأ الجميع بهبوط قوي الأربعاء خسر خلاله 291 نقطة عندما أغلق عند 9484 نقطة.. وعليه، فقد أنهى المؤشر أسبوعه خاسراً 191 نقطة أو ما يعادل 1.97%.
هبوط جزئي للبورصات العالمية
سجلت البورصات الأمريكية هبوطاً يوم الثلاثاء الماضي حيث هبط داو جونز بنسبة 2.93%، تلاه هبوط شبه قوي للبورصات الآسيوية يوم الأربعاء حيث سجل نيكاي هبوطاً بنسبة 4.7%، وهانج سانج بنسبة 5.4%.. ويسعى البعض لتفسير هبوط الأربعاء في السوق السعودي بأنه يأتي تجاوباً مع الهبوط العالمي.. إلا أنه يصعب الاقتناع بذلك، لأن السوق المحلي بعيد حقاً عن التأثر السلبي بهذه الأزمات الخارجية المؤقتة، ولأن السوق المحلي أثبت أنه ينصاع لعوامله ومتغيراته المحلية بشكل أقوى من أي عوامل خارجية أخرى.. لذلك، فإن تجاوبه مع أزمة الهبوط العالمية الطارئة نراه تجاوباً مفتعلاً ينم عن نوايا سابقة لصناع السوق لإنزال المؤشر.
زين تتسبب في خسائر قوية لسهمي الاتصالات
يعتبر سهما الاتصالات من أكبر الخاسرين يوم الأربعاء، حيث خسرت الاتصالات السعودية 4.2%، في حين خسرت موبايلي 5.15%.. وربما تكون هذه الخسارة قد لعبت الدور الأكبر في خسائر المؤشر بجانب سابك والراجحي وسامبا.
ويعتبر الأربعاء هو آخر يوم قبل بدء اكتتاب شركة زين للاتصالات المتنقلة الجديدة التي يتوقع أن تقتسم مع المشغلين الحاليين حصصهم السوقية.
وهنا تثار المخاوف من وصول السوق لحد التشبع، سواء من حيث الكم أو نوع الخدمة، فهل يوجد بالمملكة صغير أو كبير لم يمتلك جوالاً؟ وهل توجد فئات جديدة يمكن لشركة زين أن تجذبها؟ أم أن عملاءها سيستقطعون من عملاء الاتصالات وموبايلي، بالطبع فإن الحصة الرئيسية لزين سيتم استقطاعها من المشغلين الحاليين، وبما أن كل شركة ناشئة تأتي بتخفيضات وعروض جديدة ومزايا إضافية وبالتالي تمتلك بعض القدرة على جذب عملاء جدد من خارج سوق المشغلين الحاليين.
إلا إن هذه التخفيضات وتلك المزايا في حد ذاتها ستعيق نمو الشركات الثلاث معاً، فسعر تعريفة الاتصال انخفض بما يعادل الأربعة أضعاف بعد دخول موبايلي للسوق، ونتوقع أن تصبح المكالمات الدولية بسعر المحلية قريباً في ظل منافسة الشركة الجديدة.
بل إن الثلاث شركات يتوقع أن يتنافسن على تقديم مزايا إضافية مجانية، بما سيؤثر على إيراداتهم، وبالتالي سيحجم أرباحهم، كل ذلك ربما يثير مخاوف متداولي سهمي الاتصالات من توقع حدوث انخفاض تدريجي وربما مستمر لأسعار السهمين خلال الفترة من بداية تشغيل الشركة الجديدة.
إجراءات معقدة لتداول أنعام
أصدر مجلس هيئة السوق المالية ضوابطه لتداول سهم أنعام التي أشارت إلى تداوله خلال يومين فقط (الأحد والأربعاء) ولمدة نصف ساعة خلالهما، ويسمح بربع ساعة قبل بدء التداول بإضافة الأوامر.. إلا إن الشاهد لهذه الضوابط حقيقة يجد نفسه أمام عملية معقدة يصعب توقع نتيجتها وبخاصة في ظل غموض وتداخل بعض هذه الإجراءات.
ويمكن صياغة الضوابط في أربع مراحل:
(1) التحضير (إضافة الأوامر لربع ساعة) من 10:00 إلى 10:15
(2) التداول (لنصف ساعة) من 10:15 إلى 10:45
(3) التسوية (إلغاء الأوامر غير المنفذة) بعد 10:45
(4) المناقلة (بعد انتهاء التداول) بعد اتمام التسوية
إن هذه المراحل الأربع بها تداخل، وبخاصة فيما بين الثلاثة الأخيرة، حيث إن كل متداول لن يعلم إذا ما كنت عمليته قد نفذت أم لا أثناء التداول..
فكل عملية إما أن تنفذ أو لا تنفذ، وهنا يدور الجدل حول آلية تحديد السعر، كيف سيتم تحديد سعر السهم أثناء فترة التداول طالما أن العمليات لم تسو بشكل نهائي أثناء التداول؟ أم أن السعر سيظل ثابتاً طوال اليوم؟ بل أن تنفيذ هذه المراحل الأربعة على التوالي وليس بالتوازي يعكس فترة إبطاء..
تقدر هذه الفترة بنحو نصف ساعة تقريباً، خلال هذه الفترة حقيقة غير واضح كيف سيتم التعرف على التغيرات في سعر السهم؟ بالطبع إن الأمر سيكون معقداً..
إن صعوبة هذه الإجراءات قد تضر بحائزي السهم بحيث لن يجدوا مشترياً له، بل إن تعقد هذه الإجراءات قد تحول تداوله بشكل كلي.
إن صورة الأسهم المضاربية اليوم تختلف عن أي فترة ماضية، فالجميع يرى الآن الأسهم المضاربية معاقة ومجمدة، فكيف بسهم يعامل بمثل هذه القيود ومعروف أنه لن يعود للتداول الحر بسهولة أو قريباً؟
سيطرة الأفراد
على حركة التداول!
من أكبر إنجازات السوق خلال الشهرين الماضيين هو كشف الهيئة عن تفاصيل حركة التداول، من باع ومن اشترى وأشكال شرائح المستثمرين البائعين والمشترين..
إن هذا الكشف ينال أهمية كبرى للتعرف على قدر درجة الأمان والمخاطرة في السوق، بل ومعرفة من يشارك فيه، وقدر مساهمات الأفراد والمؤسسات وغيرها من الدلالات الهامة في السوق..
وقد أبرزت هذه البيانات مدى سيطرة السعوديين الأفراد على حركة التداول، حيث وصلت مشاركتهم في المتوسط نحو 93% في عمليات البيع والشراء.
كما أوضحت هذه البيانات أن متوسط قيمة السهم الواحد المتداول خلال هذا الشهر وصل إلى 41 ريالاً، في حين أن متوسط قيمة الصفقة الواحدة بلغ 51 ألف ريال، وهو متوسط مرتفع ويؤكد على مدى قوة حركة التداول.
تدهور استثمارات المقيمين والخليجيين والصناديق؟
من السهل الرجوع للخلف لمعرفة أن السوق المحلي بدأ يستهدف المستثمرين الخليجيين منذ بداية 2006 تقريباً، في حين بدأ يستهدف المقيمين مع منتصف 2006، أي أن فترة زمنية تقدر بعام ونصف العام قد مرت على هذا الاستهداف.
وبحيادية فإن أبرز جوانب أهمية البيانات المنشورة يمثل تقييماً حقيقياً لنجاح جهود الهيئة على مدى هذه الفترة، وتقييماً لمدى تقدم السوق في طريق الاستثمارية.
إلا إن هذه الجوانب تعبر عن الحاجة لمزيد من هذه الجهود لعدم اكتمالها، فكامل مساهمة الشرائح غير الأفراد السعوديين في السوق لم تتجاوز 7%.
فالشركات والصناديق والخليجيون والمقيمون جميعهم لم تتجاوز مساهمتهم في حركة التداول 7%، وهي نسبة متدنية للغاية، ولا تعبر عن واقع الجاذبية الاستثمارية التي يفترض أن يمتلكها السوق.. بل إن الصناديق الاستثمارية وحدها كانت تشارك بنحو 92.7 مليار ريال في الربع الأول من عام 2006، فكيف انحدرت مساهمة الصناديق إلى 24.4 مليار حالياً رغم زيادة عدد الصناديق.
أما الجانب الأهم هو مساهمة الشركات في السوق، حيث إن هدف تحول السوق إلى المؤسساتي يعتبر هو الهدف الأكثر أهمية، إلا إن نسبة مشاركة الشركات التي لم تتجاوز 3% لا تؤيد اقتراب السوق من هذا الهدف.
وإذا كانت هذه الأهداف لم تتحقق، فإنها لا تثير قلقاً على المستوى العام لأن سيولة هذه الشركات أو الصناديق إن لم تستثمر في سوق الأسهم فهي تدخل في نطاق السيولة المحلية التي تعمل لصالح الاقتصاد الوطني في جوانب أخرى.
إلا إن القلق الحقيقي الذي عبَّر عنه كثير من الأوساط الداخلية هو سيولة المقيمين، تلك التي تتجاوز الـ60 مليار ريال سنوياً، ما هو مدى نجاح سوق الأسهم في جذبها؟ إن مشاركة هؤلاء المقيمين لم تتجاوز 1.6%، أي نتوقع أن يبلغ إجمالي مشاركتهم في رسملة السوق حوالي 25.6 مليار ريال فقط، وهي نسبة متدنية إذا قورنت بحجم مدخراتهم.
كذلك الحال، بالنسبة لجذب سيولة الخليجيين، التي لم تتجاوز قيمة استثماراتهم في السوق (أفراداً وصناديق) 33.6 مليار ريال، وهي قيمة متدنية مقارنة بالحجم المستهدف لهذه الشريحة التي تمتلك أصولاً من الصعب حصرها في الأسواق الأجنبية.. فما هو السبب وراء تباطؤ السوق في جذب هذه السيولات القوية والكافية؟
القفزات ثم السقطات تضعف جاذبية السوق؟
لسوء الحظ أن حديث الجميع عن جاذبية السوق ينحصر في استثماريته وتحويله إلى سوق مؤسساتي، معولين على جذب شرائح استثمارية إستراتيجية للسوق، ولطالما سمعنا عن الصناديق الخليجية وعن المقيمين وعن المؤسسات المحلية، إلا أنهم في ذات الوقت تركوا أهم جانب في السوق، وهو استقرار مؤشراته، فالسوق الذي يحقق مؤشره طفرات سعرية ليس هو السوق الجيد، بل إن السوق الجيد هو الذي يمتلك مؤشره استقراراً أعلى.. إن مؤشر السوق المحلي ينساق لمسارات ليست عشوائية حرة وأيضاً ليست تحكمية متحفظة..
إن الجانب المخيف في السوق الآن هو عنف الصعود وقسوة الهبوط، وهو أمر بات ينفرد به السوق ويتميز به عن كثير من أسواق العالم..
فحركة المؤشر السعودي تظل شهوراً وشهوراً محلك سر، ثم فجأة وبدون مبرر معروف تجد قفزة بالألفين أو الثلاثة آلاف نقطة وذلك يمكن أن يحدث خلال فترة زمنية قصيرة.. مثل تلك التي حدثت مؤخراً، حيث ربح السوق 48.6% خلال 46 يوماً (من 9-10 حتى 24-12- 2007)، ثم خسر 21.5% خلال 10 أيام (من 12-1 حتى 22- 1-2008) وكلاهما بدون مبررات منطقية معروفة..
إن هذا الوضع الذي يتكرر من آن لآخر هو السبب الرئيس الذي يثبط استثمارات الأجانب (خليجيين ومقيمين) عن دخول السوق.
وإذا كان السعوديون الأفراد يقبلون بهذه المخاطرة، فهذا نابع عن عمق تجاري لحب المخاطرة، ولأن هذه المخاطرة ترتبط بوطن، في حين أن الأجانب سواء كانوا خليجيين أم مقيمين يفكرون بمنطق آخر يخلط بين الأمان والعائد بعيداً عن المخاطرة، وحتى إن قبلوا درجة من هذه المخاطرة فهم لن يقبلونها بشكلها العنيف.
إن السوق يحتاج إلى رؤية منطقية وفلسفة إستراتيجية بدعم المؤشر ليس بتركه يصعد أو يهبط ولكن بالتدخل والتفسير والتوضيح عندما يحيد عن مساره الطبيعي العادل.
إن بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي لم يخجل من مساعدة البورصات الأمريكية كلما دعت الحاجة.
محلل اقتصادي
Hassan14369@hotmail.com