Al Jazirah NewsPaper Friday  08/02/2008 G Issue 12916
الجمعة 02 صفر 1429   العدد  12916

الحسد مطية المتاعب (مثل عربي)
د. عبدالمحسن بن عبدالله التويجري

 

من ثباتِ سنن الحياة أنها القوة التي بها يُحرك الإنسانُ وسائلهُ مع الحياة، كما أنها تحرّكه بوسائلها. والإنسانُ بمكوناتهِ النفسية والعقلية فاعل مع غيره من بني الإنسان بوسائل عدة، ومن ذلك نوازع الخير والشر.....

....وباسطُ الخير يتميزُ بقدرته على كبت الشر لتسمو به دوافع الخير لصالحه وصالح كل الناس بقدر قوة الكبت، وللوعي والإرادة دور مهم والأساس التقوى.

ومن صفات الشرِّ الحسد، حيثُ إن شعار الحاسد الدائم حين يصيب الخير غيره (لماذا لا أكون أنا من يستحوذ عليه)، فيولّد هذا الحس الحزن والكآبة لديه، وحين يطلق العنان لشروره بفعل مادي مباشر يتوجه بالأذى للمحسود، ولقد قال الإمام الفقيه (ابن تيمية): (ماذا يستطيع أعدائي أن يفعلوا بي، إن سجني خلوة، ونفيي نزهة، وقتلي شهادة). لقد أبان ما هو عليه من أمن نفسي بداعي الإيمان.

وعن الحسد ألّف القانوني المفكر الفرنسي (أوجين ريجا) كتابه: (الحسد ودوره في الحياة)، وفي الفصل الأول يذكر أن أي إنسان يبلغ السن التي يستطيع معها أن يفكر ويفرق بين الأشياء حينها تنمو لديه أحاسيس متداخلة بين الغيرة والحسد، وأرى أن كبتها ممكن، وهذا معنى من معاني الخير.

إن الإنسان مع الحياة ومع الآخرين في صراع طابعه الشدة أو ما هو أشد، وهذا يعتمد على العلاقة بين الإنسان ونفسه بالقدرة والوعي كنتيجة للتقوى، والشاهد على ما نجده في بعض من ملامح إيمان وفكر الإمام (ابن تيمية) حيث تعرض لكثير من المتاعب فسجن في مصر والشام مرات عدة، ولكنه بشجاعة الإيمان والزهد وبسلوك لا نفاق أو تملق يشوبه، فلقد كان له خصوم كثيرون، وعكف على الدرس والتأليف وهو سجين في دمشق حتى وافاه الأجل في سجنه، وهكذا فعل به الحاسدون، ومع ذلك لم يحجبوا محبة الناس له.

إن المحسود - في بعض الأحيان - بالنعمة مغرور، وقد يتجاوز أوضاعاً كان متعباً معها وينسى ذلك، بل قد ينسى نفسه ليعصف به الغرور والزهو، فهو عرضة للحسد، وهو من دعاهم إليه.

والحاسد يحمل مرض الحسد وفق سيطرة الغلو في حب ذاته بلا إنصاف أو إيمان رادع، فلا شيء لغيره وإن اكتسبوه بسعي وجهد فكل الأشياء له وشعاره (لماذا لا أكون أنا الأحق؟)،

إن الحاسد تعيس بحسده والمحسود ينعم بحاله ما لم يباشره الأذى بطريقة لها فعل مادي يقدم عليها الحاسد.

قال الإمام علي -كرم الله وجهه-: الحسد حزن لازم وعقل هائم ونفس دائم - والنعمة على المحسود نعمة - وهي على الحاسد نقمة.

كما أن النفس بما تكدس فيها من الحسد لداعي لشرور أخرى، وممارسة تهذيبها من المهمات اللازمة وإن أضناها فالجهاد الأكبر مجاهدتها بتوالي الرقابة والمساءلة.

قال المتنبي:

سوى وجع الحساد داو فإنه

إذا حل في قلب فليس يزول

فالحسد والحسود من يتجنبه أبناء المجتمع فهو في عزلة معزول بدون سرور أو حبور وهو اللصيق لذاته وما تهوى أنه في غربة عن كل الناس يحترق بنار الأنانية، فكل موجود يهوى ولابد أن يكون له وهو من يعلم أن هذا حق الغير فلا هو بالحرامي ولكنه المدمر وباسط للشر لا يرضى بشريك ونراه حين يلتهب بنا عذابه.

وقال الشاعر:

وذي حسد يغتابني حين لا يرى

مكاني ويثني صالحاً حين أسمع

وقال آخر:

وقد أنسى الإساءة من حسود

ولا أنسى الصنيعة والفعالا

وقال الشاعر الأبرش:

ليس للحاسد إلا ما حسد

وله البغضاء من كل أحد

الخير والشر من مكونات النفس والتقوى جادة الخلاص.

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6383 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد