Al Jazirah NewsPaper Friday  08/02/2008 G Issue 12916
الجمعة 02 صفر 1429   العدد  12916

نوازع
المعتضد بن عباد
محمد بن عبد الرحمن البشر

 

أحببت أن أنقل للقارئ الكريم فظائع المعتضد التي لم يسبق لها مثل قط، سوى ما كان من قبل محمد بن عبدالجبار المقلب بالمهدي.

فقد وضع المعتضد له حديقة كبيرة في قصره من رؤوس كبار أعدائه المسلمين، مزيناً بها قصره، ممتعاً بها عينه، وجاعلاً في أعلى كل جمجمة اسم صاحبها المسلم!!!

وقال ابن حيان في ذلك: (ومن نادر أخباره المتناهية الغرابة أن نال بغيته وأهلك تلك الأمم العاتية، وإنه لغائب عن مشاهدتها، مترفه عن مكابدتها، مدبّر فوق أريكتها، منغد لحيلها من جوف قصره، ما إن مشى إلى عدو أو مغلوب من قتاله غير مرة أو مرتين، ثم لزم عريشته يدبر داخلها أموره، جرّد نهاره لإبرام التدبير، وأخلص ليله لتملي السرور، فلا يزال تدار عليه كؤوس الراح، ويحيا عليها بقبض الأرواح، والتي لأناسيّها من أعدائه بباب قصره حديقة تطلع كل وقت ثمراً من رؤوسهم المهداة إليه، مقرطة الآذان برقاع الأسماء المنوه بحاملها، ترتاح نفسه لمعاينتها، والخلق يذعرون من التماحها، وهو واصل نعيم ليله بإحالة كبده، ومستدع نشاط لهوه بقوة أبده، له في كل شأن شُؤَيْن، وعلى كل قلب سمع وعين، ما إن سبر أحد من دهاة رجاله غوره، ولا أدرك قعره، ولا أمن مركه، لم يزل ذلك دأبه منذ ابتدائه إلى انتهائه). وحديقة من رؤوس المسلمين كهذه قال عنها صاعد بن الحسين في حديقة الرؤوس محمد بن عبدالجبار الملقب بالمهدي:

جلاء العين مبهجة النفوس

حدائق أطلعت ثمر الرؤوس

هناك الله مهديّ المساعي

جنى الهامات من تلك الغروس

فلم أرَ قبلها وحشاً جميلاً

كريهُ ردائهِ أنسُ الأنيس

فماذا يملأ الأسماع منها

إذا ملئت من أبناء الطروس

ولقد كان هناك ثلاثة رؤوس خصها بالصون، وبالغ في تطييبها، وتنظيفها للثواء لا للكرامة، وأودعها المصاون الحافظة لها، فبقيت عنده ثاوية تجيب سائلها اعتباراً، وهي رؤوس أعدائه منهم رأس الخليفة يحيى بن علي بن حمود، ورأس محمد البرزلي زعيم فرموتة، ورؤوس الحجاب بن نوح، وابن خزرون من رؤوس ليس بها رأس غير رأس مسلم، لتعطي دلالة واضحة على ما وصلت إليه عصور الطوائف من مآسٍ طالت الصغير والكبير، والرئيس والمرؤوس، والعامة والخاصة. فيا لها من مآسٍ مضنية، وشواهد يقشعر منها البدن.

وكان ابن عباد قد أعطى أيضا من جمال الصورة، وتمام الخلقة، وفخامة الهيئة، وسباطة البنان، وثقوب الذهن، وحضور الخاطر، وصدق الحس، ما فاق أيضا به نظرائه، وكان كلفاً بالنساء، فاستوسع في اتخاذهن وخلط في أجناسهن، قيل إنه خلَّف من صنوفهن السريات خاصة نحو من سبعين جارية.

ومن فظائع ما فعله المعتضد في أعدائه أنه دعا عدداً من أمراء المناطق المجاورة له من المسلمين، ولبى دعوته ثلاثة منهم، ومعهم مائتا فارس، فاستقبلهم المعتضد أحسن استقبال، وأنزل الأمراء بقصر من قصوره، وفي اليوم الثالث استدعاهم إلى مجلسه، وأخذ يؤنبهم على تقصيرهم في محاربة أعدائه، ولما همّوا بالرد أمر بالقبض عليهم، وتكبيلهم بالأغلال، ووضعهم في السجن فرادى، واستولى على سائر سلاحهم ومتاعهم وخيلهم، وبعد مدة من اعتقالهم، أمر بإدخالهم في الحمام، وأضرم النار فيه حتى هلكوا.

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6227 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد