بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى اتضحت أهمية جمع المعلومات الطبية وهي ما يسمى داخل الجيش الأمريكي بMedical Intelligence (الاستخبارات الطبية) حيث كانت أكبر الإخفاقات في تلك الفترة نتيجة انهيار الوقاية الشخصية وعدم السيطرة على الأمراض؛ حيث إن مهمة الاستخبارات
الطبية في السلم تهدف في المقام الأول إلى بيان أهمية جمع المعلومات المتوفرة عن الأمراض المعدية والمستوطنة والتهديدات الطبية الأخرى بالكرة الارضية، بالإضافة إلى المناخ والتضاريس والنباتات والحيوانات والحشرات الضارة بالإنسان والعوامل البيئية الأخرى المؤثرة على حياة الانسان؛ كالموقع الجغرافي والوقت ومسببات الأمراض، والتي يتم تحليلها وتقييمها وتفسيرها ومن ثم إنتاجها وتوزيعها للجهات المسؤولة.وفي حوالي سنة 400 قبل الميلاد كان هيوقراط والملقب ب(أبو الطب) وهو معلم وممارس إغريقي يدرس الطب، ويقول إنك كي تحدد الدواء يجب أن ترى أولاً آثار كل من:
1 - الفصول الأربعة.
2 - الرياح والحرارة والبرودة.
3 - نوعية المياه.
4 - تضاريس المدينة.
كما يعتبر هيوقراط هذه العوامل الأربعة أساسية لأي غريب في أي مدينة جديدة، ومن ثم كان يشعر بمدى الحاجة إلى دراستها التي سينتج عنها فهم الأمراض الممكنة بها، وكيفية علاجها، ومن ثم تحديد أنواع الأمراض الوبائية التي يمكن أن تصيبها.حيث إن الموقع الجغرافي إذا كان بالقرب من أحد المناطق التي يستوطن فيها أي مرض من الأمراض المعدية، وخصوصا الأمراض الوبائية يجعله عرضة لتفشي هذه الأمراض بين أهل المنطقة.كذلك التضاريس المختلفة التي - حتماً- لها علاقة بحدوث بعض الأمراض، فإن الارتفاع الكبير عن سطح البحر له تأثير على الرئتين والقلب والدورة الدموية، ولما يترتب عليه من تناقص في الضغط الجوي والتربة والماء, أيضا لها الأثر الكبير في حدوث بعض الأمراض ومن ضمنها انتشار البلهارسيا والملاريا وحمى الضنك وحمى الوادي المتصدع، وكذلك انتشار البعوض، وهذا له الأثر الكبير على أفراد المجتمع. ويعتبر المناخ من أكثر العوامل الطبيعية تأثيراً على حياة الإنسان وغيره من الكائنات الحية. والضغط الجوي والرياح لهما الدور الكبير في التأثير على حياة الإنسان وظهور بعض الأمراض التي لا تظهر في أماكن أخرى, أخيراً، تقلب درجات الحرارة والرطوبة والتي بالتأكيد لا تقل أهمية عما سبق. وفي إحصائية لوفيات العالم لعام 1998م والبالغ عددهم 54 مليوناً, قامت بها منظمة الاستخبارات القومية الأمريكية عام 2000م, وجد أن حوالي ثلث المتوفين كانت الوفاة بسبب رئيسي من الإمراض المعدية. ويعود سبب انتشار هذه الأوبئة هو الهواء, التنقل, الاستيراد والتصدير, تغير أنماط الحياة والبيئة. وإن هذه النسبة تتزايد, خاصة في عصرنا هذا، عصر العولمة، والذي تتنقل فيه الأمراض حيث لا نسمع عن وباء في أقصى شرق الكرة الأرضية إلا وقد انتشر في غربها... وبسرعة مذهلة، وهو ما يطابق مملكتنا في هذا الانتشار خاصة في موسمي الحج والعمرة. حيث يعبر مصطلح العولمة هنا عن تحول العالم إلى ما يشبه القرية الصغيرة, لتقارب الصلات بين الأجزاء المختلفة من العالم وسهولة انتقال الأفراد في أرجاء العالم، حيت فتحت الحدود وتلاشت المسافات وبالتالي تفشي الأمراض المعدية.
لذا, فالعمل على فرض إجراءات باستخدام الأساليب الوقائية ضروري لمنع انتشار الأمراض خاصة خلال موسمي الحج والعمرة وتجنب كل ما يسبب نقل العدوى، كما يجب إعطاء أولويات خاصة وتحصين دقيق وفعال.
* دكتوراة إدارة المستشفيات في التأمين الصحي.
altassan2000@yahoo.com